Menu

لطائف بلاغية

” أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ… ” الجاثية/٢٣ .

بقلم : أ . د/ أحمد فتحي الحياني

من بلاغة القرآن في بيانه المعجز البيان استعمال فن ( التشبيه البليغ المقلوب ) في التعبير عن حال نمط من الشخصيات السالبة المقلوبة على فطرتها السوية التي فطرها الله عليها عن علم وسبق إصرار وتكبُّر وتكذيب .
إذ صار فيها هوى النفس الأمارة بالسوء بباعث الكفر والضلال ومقارفة الشهوات المحرَّمة والظلم والتكبُّر على الله – سبحانه – والناس إلى ( إله ) يُعبَد من دون الله .
والآية تَستحضِر هذا النمط الغريب من البشر أمام الناظرين للتعجُّبِ منه والتعجيب من حاله ، وذلك ببلاغة الإخبار عنه بالاستفهام بالهمزة ( أفرأيت ) ولكنْ باستحضاره بالصورة مرئيا ب ( رأيت ) فهو ماثل أمام العين تتملَّاه الأعينُ وتتعجَّبُ من حاله النفوس .
وركنا التشبيه البليغ في نظم الآية هما :
المشبه هو : ( إلهه )
والمشبه به هو : ( هواه ) .
وأصل التعبير هو : ( اتَّخذ هواه إلهًا ) .
ولكنَّ البيانَ القرآنيَّ قَلَب المعادلةَ لبلاغة بجعل المشبه : ( هواه ) مشبها به ، والمشبه به : ( الهه ) مشبها .
على طريقة التشبيه المقلوب بجعل الأصلِ فرعا ، والفرعِ أصلًا عل سبيل المبالغة البلاغية لتصوير هواه الذي أصبح إلها آمرا له وناهيا متَحكِّمًا في حياته ، فهي خاضعة له مُذعِنة بباعث تغلغل الكفر والضلال فيهم ، ولبيان أثره الكبير في حياتهم ، وأنهم اختاروه طريقا في الحياة بإرادة واختيار على علم .
فأضلَّهم الله على علم باستحقاقهم الضلالة بالختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ،فهي معطَّلة عن غاياتها السامية…
لذلك كانت من الحالات العجيبة الغريبة التي يُستَغرَبُ منها ويُتَعَجَّبُ بأنْ يُتَّخذَ العلم والهوى صنمًا يُعبَد من دون الله ، ويكون وسيلةً وغايةً وفلسفةً في تسويغ الضلال والكفر وعمى الإلحاد كما نرى صورة منه من أعتى الصور في عصرنا الحاضر التي هي امتداد لهذه الشخصيات التي جسدها القرآن في بيانه المعجز البيان .

Categories:   الإعجاز فى القرأن و السنة

Comments