Menu

المناعة الجماعية

بقلم : د. عمرو الشوبكي

المناعة الجماعية هي التعبير المخفف لمناعة القطيع ( Herd Immunity ) و هي الخبرة التي تبنتها بريطانيا في أول أسبوعين من إنتشار فيروس كورونا ، وقامت على تعريض الأفراد الأقل قابلية لخطر تدهور حالتهم الصحية لفرص الإصابة بالعدوى ، فتركت الطلاب يذهبون إلى المدارس والجامعات لأنهم قادرون على اكتساب مناعة ضد الفيروس وينشرونها بعد ذلك في المجتمع ، كما تجاهل هذا التصور الفئات الأضعف والأكبر سناً والمصابين بأمراض مختلفة حتى بدي كأنه يضحي بهم في سبيل الحفاظ على فئات المجتمع الأقوى ، صحيح أنهم قالوا وقتها إن كبار السن هم أكثر ضحايا الفيروس في كل الدول ، بما فيها التي أتخذت إجراءات العزل الجماعي ، أي فرنسا وإسبانيا وإيطاليا ؛ و قد تراجعت بريطانيا عن تبني هذا الإختيار بعد أسبوعين فقط ، و تجاوزت أعداد الوفيات فيها كل الدول الأوروبية ( بلغت حوالى ۳۲ ألف وفاة في مقابل حوالي 30 ألفا في إيطاليا ، وأكثر من ۲٦ ألفا في إسبانيا ، وحوالي ۲۹ ألفا في فرنسا ) ، وأصبحت بريطانيا تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة في عدد الوفيات ( رغم الفارق في عدد السكان ) ، وهو ما جعل البعض يتهم الحكومة البريطانية بسوء الأداء ، ويعتبر خيار مناعة القطيع أحد الأسباب الرئيسة وراء ارتفاع أعداد الوفيات . و أياً كان مسار الجدل العلمي حول صحة هذا الخيار من عدمه إلا أن من المؤكد أنه لم يكن الخيار الأنسب ، وإن كان هذا لا يعني أن البلاد التي طبقت العزل الكامل لم تعان أيضا من نسب وفيات مرتفعة ، صحيح أنها نقصت في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ مقارنة ببريطانياإلا أن هذا لم يحل دون توجيه علماء آخرين النقد لخيار العزل الكامل و أعتبروا أن إجراءات العزل التي تطبق على نطاق واسع تؤدي إلى إنهاك نظام المناعة وإضعاف المقاومة ( – Self lsolation Fatigue ) و احتمال عودة الفيروس مرة أخرى في الخريف .
أما في مصر فقد اختارت نظام الحظر الجزئي ، و لاعتبارات كثيرة لم تستطع أن تفرض نظام الحظر الكامل وربما لا تحتمل أيضا إقتصاديا ، وبالتالي هي طبقت عمليا نظام المناعة الجماعية وربما تستفيد من ظروف مناخية أو حرارة الجو في تقليل إنتشار الفيروس . ستظل المشكلة في كون مصر مضطرة لأن تعيد فتح الاقتصاد في ظل ضعف الإمكانيات المادية ، وعدم التوعية الكافية على الأرض الملايين المصريين بسبل الوقاية ، كما أن كثيراً منهم بحكم طبيعة سكنهم و اضطرارهم للعمل من الصعب عليهم تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي .
ليس مطلوباً من الحكومة أن تصلح أخطاء متراكمة منذ عقود في وقت الجائحة ، ولكنها لابد أن تؤسس ليس فقط لخلية أزمة ، إنما منظومة متكاملة في السياسة والصحة والاقتصاد و الأمن أكثر كفاءة وأكثر علمية للتعامل مع تداعيات كورونا .

Categories:   أعمدة الرأى

Comments