Menu

– COVID-19 . . ومؤامرات حكام العالم السريين

بقلم: طارق أحمد مصطفى

تروج كثيراً هذه الأيام مع تفشي وباء كورونا COVID-19 واستمرار العزل المنزلي نظرية مؤامرة مفادها أن ما نحن فيه هو خطة شيطانية جهنمية خطط لها وينفذها طبقة حكام العالم الحقيقيين، يقودها كبار رجال الأعمال وحكومات دول كبرى وأجهزة مخابرات ومنظمات سرية خطيرة ماسونية أو غير ماسونية، من أجل المزيد من إحكام سيطرتهم على العالم، وربما يضاف لذلك الحديث عن التمهيد لخروج المسيخ الدجال والتمكين لعبادة الشيطان، وما إلى ذلك من نظريات.
وأكثر ما يدعم هذه الأفكار لدي أصحابها ومروجيها هي حالة الشك والارتياب وتضارب الأخبار والكثير من الأمور غير المفهوم وغير المنطقية التي تحيط بالأمر، وكلما مر الوقت كلما انضم لهذه النظرية – بدرجة أو بأخرى – مزيد من الأشخاص الذين لا يمكن اعتبارهم موتورين أو مختلين عقلياً فيضيفوا للنظرية بأدلتهم وتساؤلاتهم مصداقية وأبعاداً جديدة، كما سيقوم كثير من الأذكياء والمثقفين بتقديم تحليلات واستنتاجات وتفسيرات وتنبؤات تضيف مزيد من الترابط فى رواية هذه النظرية، وقد ساعد الفن السينمائي والتليفزيوني الذي يتطور بشكل مرعب فى تنمية قدرة الكثير من الشباب وعامة الناس على تخيل أبعاد أسطورية ماورائية للواقع فكانت سبباً فى إضفاء مسحات درامية على تلك النظريات التآمرية.
ومن ناحيتي، فأنا لا أؤكد ولا أنفى مثل هذه النظريات! لا أؤكد، لاقتناعي أن تفشي التفسير التآمري هو شيئ متوقع كرد فعل نفسي لبعض الناس تجاه أزمة كتلك التي نعيشها، حيث يتولد لديهم ويترسخ الإنكار لفكرة وجود وباء بهذا الشكل من الأساس ومن ثم إنكار ما يترتب عليه من التزامات مفروضة عليهم، وهم بالتالى سيحتاجون لتفسير آخر يرضيهم حتى يبرروا لأنفسهم رغبتهم الملحة فى التنصل عن هذه الالتزامات، ولمعالجة حالة التوتر والرعب التي قد يعيشون فيها لفترة غير معلومة. وكذلك لا أنفي، وذلك لأنني لا أستبعد شيئاً على أشرار هذا العالم، الذين عودونا عبر التجارب الحديثة والمعاصرة والحالية على اصطناع الأزمات وتفجير الحروب والصراعات، والنهم للسيطرة والتسلط على مقدرات البشر بأحط الطرق الممكنة.
ولأن السلاح الأول للمواطن العادي فى مثل هذا النوع من الأزمات هو الصبر والإيمان، فإن أخطر ما في تبني هذا التفسير التآمري هو أنه في حقيقته يهدم الإيمان ويُذهب الصبر. فإن من عادة نظريات المؤامرة حتى تزيد من حبكتها أن تضخم من قدرات المتآمرين من قوى الشر إلى حد خارق للعادة فى كثير من الأحيان، بحيث أن المتبني لها يشعر مع الوقت أنه واقع فيها لا محالة حيث لا طاقة له بقدراته المحدودة على مواجهة كل هذه القوة والذكاء الخارق الشرير، وهو ما يأتي عادة بأثر عكسي بأن يفقد ثقته في نفسه فيستسلم للمؤامرة أو على الأقل يتقوقع حول ذاته منسحباً من التفاعل مع الأحداث.
وأما ذهاب الصبر، فإن تفشي التفسير التآمري يُفقِد الإنسان الثقة فى القوانين الطبيعية التي تؤكد أن لكل أزمة عوامل ضعف وخفوت بعد وصولها لذروتها، والصبر فى الأساس هو ثمرة هذه الثقة في أن لكل بداية نهاية ولكل عقدة حلاً ولكل أزمة انفراجاً، فإذا تدخل التفسير التآمري جعل الإنسان يتوقع أن سلوك الأزمة ناتج عن قرارات عمدية من المتآمرين لا عن قوانين طبيعية، فمن أين يأتي الصبر على ما لا علم للمرء بمآلاته، ولا خبرة لديه تسعفه فى مواجهته.
وقد علمنا الدين كيف نتعامل مع فكرة المؤامرة ونضعها فى حجمها الطبيعي دون أن ننساق للتضخيم والتهويل، فيقول الله تعالى في معرض الحديث عن أكبر وأخطر متآمر فى هذا الكون ((…إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)) النساء/76، فكيف تخاف وتجزع من صاحب الكيد الضعيف، الذي يكفيك لتتخلص من كيده أن تستعيذ بالله منه، واستعاذتك بالله وثقتك به عن إيمان ثابت عميق معناها أنك محصن ومدعم تماماً، وكيف لصاحب الإيمان العميق المتين أن يعتقد أن أياً من كان يمكنه أن يفعل فى كون الله ما لا يرضاه الله، وهو يؤمن بأن الله تعالى غالب على أمره، محيط بخلقه، قاهر فوق عباده.
يقول الله تعالى: ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) الأنفال/30 ، ويقول في نفس السياق القرآني ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)) الأنفال/36، وكأنه يثبّت أقدام المؤمنين ويخاطبهم من خلال نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه مهما بلغت مؤامرات وخطط أهل الشر من الذكاء والإحكام فإنها لا شيئ أمام قدرة الله، فلتجعل إذاً سلاحك اليقظة والثقة والاستعانة بصاحب القدرة المطلقة، حتى لا يضيع عمرك فى ترقب المؤامرات والاختباء منها والاحتياط لها – كما يفعل هوس نظريات المؤامرة بأصحابه – بينما تلك الطاقة أنت في أمس الحاجة إليها من أجل البناء والعمران.

Categories:   أعمدة الرأى

Comments