د/ ” نيازي ” المؤسسة الثقافية العمالية كانت منارة الوعي و الثقافة الرفيعة و يجب أستعادة دورها الحيوي .
ثم ألتقينا “د. نيازي مصطفى” – أستاذ التشريعات الإجتماعية والخبير القانوني و العمالي الشهير – و طرحنا عليه قضية الوعي الرشيد ، فجاء حوارنا معه كما يلي :
← هل تمكن الشعب المصري من إجهاض محاولات تثبيط الهمم إستناداً لحسه الوطني اليقظ أم أنه يتعين علينا بذل المزيد من الجهد الممنهج لتعميق الوعي الجمعي الرشيد ؟
– فأجاب قائلاً :
لم نتمكن من إجهاض كل المحاولات الخبيثة الساعية لتثبيط الهمم بشكل كامل ، لذا يجب علينا جمعياً التفكير بشكل علمي مع بذل المزيد من الجهد لإجتثاث تلك الدعاوى من جذورها ، لكني أعزو ذلك إلى الضغوط الإقتصادية التي أثقلت كاهل الشعب المصري ، و سببت له المزيد من الإحباط و على الأخص الطبقة الوسطى ، حيث تبدل تصنيفها كنتيجة مباشرة للتضخم المتفاقم من أسر متوسطة إلى أسر فقيرة ، حيث أنخفضت شريحة الطبقة الوسطى (والتي تعد بمثابة مخزون القيم المحافظة في أي مجتمع) إلى 12.5% تقريباً بعد أن كانت 35.5% ، مما شكَّلَ عبئاً نفسياً على كل رب أسرة لاسيما إذا أصبح غير قادر على توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته مما يجعله فريسةً للإحباط و الانكفاء على الذات.
– ثم أردف “د. نيازي” قائلاً :
ولذلك فإنه يتعين على أجهزة الدولة أن تسعى لإبتكار العديد من الحلول السياسية و الإقتصادية بهدف التخفيف من وطأة هذا الأمر مع حتمية البحث عن سياسات مالية بشكل علمي لمحاصرة التضخم الإقتصادي الذي أضر بهذه الطبقة تحديداً ، و ذلك أسوةً بما قامت به الدولة من دور فعال مع الفئات و الشرائح الأكثر فقراً بواسطة ما أقرته من برامج الحماية الإجتماعية المتنوعة و منح الإعانات و المعاشات الاستثنائية مثل تكافل و كرامة ، و مثل إصدار بطاقات التموين التي توفر الإحتياجات الأساسية للأسر مما يخفف من أعباء هذه الطبقة.
← هل تعتقد سيادتك أن الطرق التقليدية في بث الوعي مازالت قائمة و تمتلك الفاعلية ..
أم يجب على القوى الوطنية من مؤسسات و مجتمع مدني و مجالس منتخبة الإضطلاع بهذا الدور المحوري ؟
– فقال :
إن الطرق التقليدية في بث الوعي أصبحت ذات أثر محدود ، لذا فإنه يجدر بنا البحث عن وسائل أخرى أكثر فاعلية و تأثيراً ، و ذلك بإطلاق العنان للخيال الفني الذي يولِّد أفكاراً مبتكرة تؤدي إلى تنمية الوعي دون أن نلجأ للخطابة المباشرة و التلقين المدرسي الذي بات يفتقد كل تأثيره على المتلقي أيا كان مجال ذلك المحتوى الخطابي ، ثم نتخذ من الوسائط الفنية كأداة غير مباشرة لكنها أكبر تأثيراً في خلق الوعي الجمعي للمواطنين بالتدريج و التراكم ، و الجدير بالذكر أن ذلك لا يرتبط بالمستوى التعليمي للمتلقي فحسب بل يرتبط بالأساس بدرجة ثقافة الفرد ، فعلى سبيل المثال أجدادنا لم يمتلكوا قدراً عالياً من التعليم النظامي لكنهم كانوا على درجة متفردة من الثقافة العامة و الإدراك الرشيد .
– ثم أشار “د.نيازي” : إن معركة الوعي لابد أن تشمل كل فئات المجتمع كلا على حسب مجاله وطائفته ، لأن التوعية التخصصية تمثل ركناً أساسياً في رفع كفاءة الفرد في مجاله ، فعلى سبيل المثال نجد بعض النقابيين المنضمين حديثاً لا يلم بقوانين النقابات على الوجه الأكمل أو قانون العمل أو الأسلوب الأمثل للتفاعل مع الواقع العمالي ، فذلك النوع من التثقيف المتخصص يصبح عاملاً حاسماً في التعاطي مع النزاعات المحتمل حدوثها ، كما لابد أن يتلقى النقابي برنامجاً تدريباً علمياً عن الأسلوب الأمثل للتعامل مع العمال و مع أصحاب العمل ، و إحقاقاً للحق أن هذا الدور التثقيفي و التوعوي كانت “المؤسسة الثقافية العمالية” تتصدى له بكفاءة متفردة من خلال برامجها التثقيفية و التدريبية ، ولكن دورها أضمحل على مدار سنوات .. ولهذا فإنني أطلق نداءً من منبركم بأن أحد الحلول الناجزة هي أن نعيد النظر في هذا الكيان العريق ، بحيث يعود لدوره الفريد كمنارة للتوعية و الثقافة ، كما أطالب بإعادة تأهيل المدربين داخل المؤسسة وفق أحدث البرامج العلمية المعتمدة دولياً لإعداد مدرب محترف يستطيع التأثير في المتلقي بشكل عميق و فعال.
← بحكم خبرة سيادتك الواسعة في الواقع العمالي و النقابي المصري ،ألا يجدر بالاتحاد العام و التنظيمات النقابية القيام بدور محوري في معركة الوعي ؟
– فأجاب قائلاً :
اما الدور الأساسي الذى لابد أن يقوم به الاتحاد العام لنقابات عمال مصر حسب قانون النقابات وحسب الإتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر، فأرى أنه يشوبه بعض التقصير رغم إقراري بحجم الجهد المبذول الممتزج بالإخلاص عند العديد من قيادات الإتحاد لاسيما المخضرمين منهم ، لكن الإشكالية تكمن في الكوادر النقابية المنضمة حديثاً ، حيث أنها لا تمتلك المقدرة على التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل الذي يعتمد على عناصر محددة و بدائل متعددة لتحقيق أهداف أساسية ،مثل : تنمية حجم العضوية، رفع درجة الوعي، وإعداد المدربين و الإستعانة بالمستشارين المتخصصين ، فأنا أعيب على الإتحاد العام لنقابات عمال مصر والنقابات العامه أنهم لا يستعينون بمستشارين في المجالات التي لا غنى عنها رغم أن كيان كبير مثل إتحاد الصناعات يستعين بمستشارين على أعلى مستوى ، لذا نجد أداءه رفيعاً لأنه ينبع عن رؤيةو خطط متقنة.
← هل يمكن حقا ترسيخ الوعي الجمعي الرشيد للأمة وسط حالة الجفاف في العمل السياسي و عزوف الشباب عن المشاركة الفعالة ؟
– فأجاب “د. نيازي مصطفى ” قائلا :
أما عن حاله الجفاف و عزوف الشباب عن العمل السياسي فهو أمر لا يصح و يجب مجابهته و اعتباره قضية وجود لأن شبابنا هم ذخيرتنا الحية للمستقبل ، وإن كنت ألتمس لهم بعض العذر حيث أنهم يستشعرون أحتكار العمل السياسي لحزب بعينه ، ويتندرون بأننا نجحنا في القيام بثورتين إلا أننا أعدنا تنظيم الحياة السياسية بنفس الكيفية التي كانت قبلهما ، لذا فإنني أطالب كافة الجهات المعنية الرسمية منها أو المدنية بالعمل على توعية الشباب و تعميق شعور الإنتماء بداخل نفوسهم مع ضرورة إستخدام الأساليب العصرية لمخاطبتهم و جذبهم لساحات العمل العام و التفاعل مع قضايا الوطن.
Categories: أخبار, أعمدة الرأى, المؤسسة الثقافية العمالية, المدرب المحترف, تثقيف عمالى, ضمان الجودة والأعتماد, عن المؤسسة الثقافية العمالية, كلمة و مقال