مصادر المعرفة
بقلم: طارق أحمد مصطفى
مصادر المعرفة
المعرفة هى وقود العقل وهى أيضاً نتاجه . فعملية التفكير التى يمارسها العقل لا تبدأ من فراغ، ولكنها تكون عملية تفكير فى المعرفة السابقة المتوفرة لدى الإنسان ينتج عنها معرفة جديدة تضاف إلى معارفه السابقة ، وتضاف كذلك إلى مجمل المعرفة الإنسانية . والسؤال : من أين يحصل الإنسان على هذه المعرفة التى يقوم بممارسة تفكيره فيها، ويستخدمها كذلك فى اتخاذ قراراته ؟ . وللإجابة على هذا السؤال ، نستعرض أهم المصادر التى اعتمد عليها الإنسان في سعيه الحثيث والمتواصل للوصول للمعرفة:
(1) التراث المعرفى :
هو المعرفة التى توصل إليها السابقون ، واستخدموها فى تفسير الظواهر وحل المشكلات ، وشكلت معتقداتهم وثقافتهم .وهذه المعرفة التراثية تقدم للإنسان حلول مجربة للمشكلات ، وتقدم أساساً قوياً تبنى عليه المعرفة الجديدة ، كما أنها تحفظ التواصل الحضارى بين الأجيال. إلا أن اقتصار الإنسان على هذا النوع من المعرفة يصيب عقله بالجمود عند التفسيرات القديمة والحلول القديمة ، ويساعد بالتالى على استمرار المعتقدات والعادات الفاسدة . كما أن هناك من يستخدم هذه المعرفة كذريعة للاستبداد السياسى واحتكار المعرفة لفئة معينة.
(2) الخبرة الشخصية :
وهى المعرفة التى توصل إليها إنسان ما نتيجة لممارسته العملية لعمل معين ، أو معايشته لموقف من المواقف ، أو توصله لحل مشكلة معينة عن طريق التجربة والخطأ. والخبرة الشخصية توفر للمرء حلولاً مجربة للمشكلات ، وتمكنه من الاستفادة من تجاربه الناجحة ، ولا تهدر الوقت والجهد المبذولين فيها . إلا أن هناك أموراً هامة يجب أخذها فى الاعتبار عند التعامل مع هذا النوع من المعرفة ، ومنها أن هذه المعرفة تتوقف على القدرات الإدراكية والتحليلية للشخص صاحب الخبرة ، كما تتوقف على ميوله واتجاهاته تجاه الموقف أو العمل الذى يقوم به . هذا بالإضافة إلى أنه لا يمكن الاعتماد عليها وحدها فى حل بعض المشكلات والظواهر المعقدة .
(3) أهل الثقة :
يلجأ الإنسان كثيراً للحصول على المعرفة من المصادر الموثوقة من وجهة نظره ، مثل الخبراء والعلماء فى مجال معين ، وأصحاب التخصصات العلمية ، والمصادر والوثائق الحكومية والرسمية . واللجوء لهذه المصادرالموثوقة يوفر لنا معرفة مضمونة المصدر ، ويوفر الوقت والجهد فى البحث عن المعرفة ، كما أنها تمكن من الاستفادة من المعارف والخبرات المتوفرة لدى أصحاب التخصصات المتنوعة. إلا أن الثقة العمياء فى المعرفة التى نحصل عليها من هذه المصادر تجعلنا نقبل الكثير من المعارف دون تحقق من صحتها ، وترسخ للتواكل والاعتمادية والتقليد الأعمى ، كما أنها تؤدى لتكون سلطة علمية تحتكر المعرفة .
(4) التفكير الاستنباطى (الاستنباط) :
هى طريقة فى الوصول للمعرفة عن طريق “القياس” ، أى قياس مدى صدق حقائق جزئية معينة بناء على (أو بمعلومية) صدق حقائق أخرى كلية. ففى الاستنباط ينطلق الانسان من أن ما يصدق على “الكل” يصدق أيضاً على “الجزء” ، وبالتالى فإنه عن طريق القياس نحاول أن نبرهن على أن ذلك “الجزء” يقع منطقياً فى إطار “الكل”.
ويعتبر التفكير الاستنباطى هو من أهم أساس علم المنطق، حيث يمثل منهجية هامة لتنظيم المعارف السابقة من أجل استنتاج وتوليد معارف جديدة . إلا أن هناك بعض الأخطاء التى نقع فيها عند تطبيق هذا الأسلوب، أهمها عدم التحقق من صدق الحقائق الكلية والمعارف السابقة التى نستخدمها والتسليم المبدئى بصحتها ، كما أنه قد يستخدم فى المناقشات الجدلية التى تعتمد على التلاعب بالألفاظ .
(5) التفكير الاستقرائى (الاستقراء) :
ظهر الاستقراء كرد فعل لأخطاء تطبيق الاستنباط ، فهو على النقيض منه ، حيث ينطلق من أن ما يصدق على “الأجزاء” يصدق بالتالى على ” الكل” الذى تنتمى إليه. فهو طريقة للوصول للمعرفة عن طريق “البحث”. والبحث يعنى الملاحظة وجمع الأدلة على صدق حقيقة معينة بالنسبة للأجزاء ، ثم “تعميم” هذه الحقيقة على “الكل” الذى تنتمى إليه هذه الأجزاء . ويعد الاستقراء بذلك خطوة مهمة قام بها العلماء فى سبيلهم للوصول إلى الطريقة العلمية كما نعرفها اليوم . وبالرغم من المزايا التى يحققها الاستقراء فى التخلص من أخطاء الاستنباط ، إلا أنه يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين للملاحظة وجمع الأدلة وتصنيفها وتحليلها والتحقق من صحتها وارتباطها بالموضوع ، كما يتطلب الدقة والتنظيم البالغين فى كافة إجراءات البحث .
(6) الطريقة العلمية :
الطريقة العلمية ، أو المنهج العلمي ، هو مصدر آخر للحصول على المعرفة، ولعله الأكثر احتراماً وقبولاً من بين هذه المصادر جميعاً. فهى مصدر للمعرفة يعتمد على كل من الاستنباط والاستقراء ، ويستفيد من المعرفة المأخوذة من الخبرة والتراث وأهل الثقة ، بهدف الوصول إلى المعرفة الصحيحة والمتكاملة التى يحتاجها الباحث ومتخذ القرار. وتتم الطريقة العلمية من خلال فرض الفروض وجمع البيانات وتنظيمها وتحليلها ، للتحقق من صحة الفروض والتوصل إلى حل المشكلات ، وتعميم هذا الحل على الحالات الآخرى المشابهة .
وتعتمد الطريقة العلمية على عدة خطوات رئيسية للبحث عن المعرفة:
التحديد الدقيق لمشكلة البحث .
حصر الفروض والبدائل الممكنة للحل
جمع البيانات اللازمة لدراسة المشكلة وتنظيمها .
الدراسة التحليلية للفروض والبدائل فى ضوء البيانات والمعارف المتاحة .
تحديد أفضل البدائل وأصح الفروض ، وتعميم هذه النتيجة على كافة الحالات المشابهة .
إلا أنها تضع مجموعة من الخصائص والآداب التى يجب أن تتوفر فى عملية البحث العلمي، أهمها:
الموضوعية : عدم التحيز والبعد عن الذاتية .
التجــرد : عن الأغراض والأهواء والآراء الشخصية .
الأمــانة : فى النقل عن المصادر ، وفى عرض النتائج .
التنظــيم : فى عرض البيانات والنتائج وفى استخدام الوقت .
الدقـــة : فى تعريف المشكلة ووصفها ، وفى الاستنتاج والتعميم .
الإيجــاز : تجنب التكرار والأساليب الأدبية والتفاصيل التى لا تفيد البحث .
Categories: المدرب المحترف