تمكين العاملين
بقلم / طارق أحمد مصطفى
أدى التطور في الفكر الإداري إلى شيوع مداخل حديثة غيرت المفاهيم التقليدية للإدارة ومنها : حلقات الجودة Quality Circle ، وإدارة الجودة الشاملة TQM ، وإعادة الهندسة Re-engineering، ويعد التمكين Empowerment من أشهر تلك المداخل الحديثة. وهو مفهوم يستند إلى حقيقة أن العلاقة بين الرؤساء والمرؤسين هي حجر الأساس فى إنجاح عمليات التطوير داخل المنظمات الإدارية . ووضع هذه العلاقة في إطار من الثقة والإحترام والفهم المتبادل من شأنه توفير بيئة ملاءمة لتحقيق الأهداف.
وقد ظهر مفهوم “التمكين” منذ بداية الثمانينات وازدهر في التسعينات بهدف إطلاق الطاقة الكامنة لدى العاملين المؤهلين وتحفيزهم ذاتياً, واقترن تطبيقه باللامركزية وبنقل العديد من المهام من المديرين للعاملين كأفراد أو لفرق العمل المدارة ذاتياً أو”ذاتية الإدارة”. ففي فلسفة تمكين العاملين يكون المرؤوس مسؤولاً عن جودة ما يقرره أو ما يؤديه , إذ يتضمن التمكين ليس فقط في حرية المرؤوس في اختيار سبل تنفيذ المهام المخططة لإرضاء العملاء ولبلوغ أهداف المنظمة، بل أيضاً المشاركة في المعلومات والمعرفة وفي تحليل المشكلات وصنع القرارات. كما قد يشهد التمكين نقل السيطرة على أداء الموظف من مشرفه إلى الموظف نفسه. كما يتضمن أيضاً الترحيب بالابتكارات وحفز الصف الثاني عليها, بل يساعد المدير مرؤوسيه على المبادرة.
وفي الإدارة التقليدية يخبر المدير مرؤوسه ما يتعين عليه عمله وكيف ينفذه ومتى, وقبل أن يتصرف يتعين عليه الرجوع لرئيسه, أما التمكين فيهدف للتخلص من هذه الطريقة في الإدارة من خلال السماح بالاستفادة من أفكار العاملين وإطلاق العنان لخبراتهم وجهدهم لتحقيق المصلحة المشتركة لهم وللمنظمة. وفائدته لا تعود فقط على العاملين كأفراد بجعل مهام عملهم ذات معنى وقيمة وتحفيزهم على الإنجاز، بل أيضاً تؤدى لتفوق وكفاءة المنظمة ككل .
ويتفق مدخل التمكين في ذلك مع تعريفات علم الإدارة، والتي تؤكد دوماً على أهمية العنصر البشري، فمنها ما يعرف الإدارة على أنها إنجاز الأعمال من خلال الآخرين، أو أنها عملية تحقيق التكامل بين الجهود الإنسانية، أو أنها تحقيق النتائج المرجوة عن طريق التأثير في السلوك الإنساني في نطاق بيئة مناسبة، أو أنها العمل مع آخرين ومن خلالهم من أجل تحقيق أهداف كل من المنظمة والعاملين بها.
فعندما يتم تمكين العاملين من صنع القرارات (مثل: التواصل مع العملاء وجذبهم وشراء المستلزمات وجدولة العمليات والإنتاج وقياس جودة الأداء وغير ذلك) ، فإن ذلك يعطى مساحة من حرية التصرف في صنع القرار للمرؤوسين أو لفرق عمل تتوافر لهم مقومات التمكين دون الرجوع للرؤساء, وهذا سيحفزهم على بذل جهد أكبر لإنجاح القرارات التى يتخذونها بأنفسهم ، كما سيحفز العمل الجماعى, ويحقق المرونة وينشط الإبداع .
والتمكين يختلف عن التفويض وهو أكثر ثراء منه. ففي التفويض تجد المستوى الأعلى يفوض الأدنى في جزئية محددة, ولا يتيح له إلا قدراً يسيراً من المعلومات بالقدر الذى يساعده على تنفيذ المهمة, وتكون المسؤولية عن النتائج منوطة بالمفوض وليس بالمفوض إليه. أما في التمكين، فتتاح للمستوى الأدنى صلاحية أكبر للمبادرة في نطاق متفق عليه, وتكون كافة المعلومات متاحة للمشاركة بين الإدارة والعاملين، باستثناء المعلومات الاستراتيجية التي يتحتم أن تظل سرية, وتقع المسؤولية عن النتائج على الموظف المعني, فإن كانت إيجابية يتم تحفيزه وإن كانت سلبية يتحمل خسائرها, حيث يتعين أن يتعلم من ذلك الدرس حتى لا يكرر الخطأ.
وفي التفويض قد يلغى المستوى الأعلى في توقيت معين تفويضه أو يحجمه أو يعدل نطاقه, لكن تمكين العاملين يمثل استراتيجية مستمرة وفلسفة إدارية لدى المديرين الذين يقتنعون بأهمية هذا المدخل، خاصة مع من يتم اختيارهم من الصف الثاني على أسس موضوعية. إلا أن التمكين الإداري لا يحفز الصف الثاني فقط على تحسين الأداء بل يسهم في إتاحة فرص التعلم والتأهل لقدرات إدارية أوسع وأرقى.
والتمكين هو الوسيلة الأنجح في إفراز الصف الثاني المؤهل, وهو أهم ضمانة لاستمرارية أي منظمة. فإن ترقية مديرين جدد لم يحظوا بالقدر الكافي من التأهيل سيؤدي لتراجع جودة القرارات وتواضع كفاءة الأداء، وكذلك انخفاض الرضا الوظيفي خاصة لدى من لم يتم اختيارهم. أما التمكين يسهم في رفع درجة الرضا, حيث تكون الترقية بناء على معايير شفافة والفرص متاحة للجميع، كما يسعد العاملين بتقدير الإدارة وثقتها بهم، وهذا من شأنه أن يسهم مع إثراء التفكير الإبداعي وإلى تحقيق مبدأ التحسين المستمر, هذا بخلاف أن التمكين يؤدي لسرعة ومرونة علاج شكاوى واقتراحات العملاء, وهو عامل أساسي لنجاح المنظمات واستمرارها فاعليتها لاسيما في بيئة الأعمال شديدة التنافسية.
Categories: تثقيف عمالى