ماذا يفعل المواطن العادي عند تصاعد الأحداث !!
بقلم: طارق أحمد مصطفى
اكتسب المواطن المصري خبرات عديدة في التفاعل داخل المجال العام عبر السنوات السابقة، بعد أن انشغل لسنوات طويلة بحياته اليومية وسعيه على قوته وقوت أسرته، إلا أن سنوات الثورات وانتشار السوشيال ميديا جعلته أكثر اشتباكاً مع الفاعلين الكبار في الشأن العام، وأكثر إدراكاً لتأثير الأحداث المحلية والعالمية على حياته اليومية، وجعلته من ثم أكثر وعياً عند اختيار مواقفه وانحيازاته السياسية.
ورغم ذلك ففي أحيان كثير تفاجئه الأحداث بالتصاعد فى اتجاهات لم يكن يتوقعها وخاصة بعد فترات من الخمول والالتهاء في شئونه الخاصة، فتلح عليه الأحداث المتصاعدة ليعيد الانتباه لما يجري ويشتبك معه، ومن الغريب أن يتوقع من يحركون الأحداث أن هذا المواطن صار من السذاجة بحيث يمكن قيادته وتحريكه وتسخينه لتحقيق مآرب سياسية لصالح أحد الأطراف، ومن الغريب كذلك أن يغيب الضمير عن كثير ممن يحركون الأحداث فلا يهتمون بتوعية الناس وتنمية حسهم الناقد وقدرتهم على التحليل والاستبصار، بل يلعبون على أوتار مشاعر الانتماء الوطني والديني ومخاوف الناس من كل ما يهدد أمانهم واستقرارهم.
لم يعد يغيب عن المواطن المصري العادي أن كل ما يجري على سطح الأحداث هو مظهر لأحداث أخرى تجري فى الكواليس، بعضها محلى وبعضها عالمي، وهذه الأحداث لا تمس مصالح الناس المباشرة، ولكنها تخص ترتيبات موازين القوى وصراعات النفوذ والسيطرة، والتي ليس للمواطن فيها ناقة ولا جمل، إلا أن هذه القوى التي تحرك الأحداث صارت تعتمد فى استراتيجيتها على توريط المواطن العادي في الأحداث كي تكون سخونة الجماهير هي الغطاء التي تمرر به ترتيبات معينة للسيطرة والتسلط على مقادير العباد. لذلك أصبح إنقاذ الناس من هذا التورط مرهون بوعيهم وثقافتهم وعقليتهم التحليلية الناقدة.
والذين ينحازون للمواطن المصري العادي في ظل الأحداث الجارية يعولون على قدرة هذا المواطن على كشف حيل الراغبين فى تسخينه، وتحريكه فى مجاميع، واستخدام صوته وقدرته على التعبير في الدعاية لأفكارهم وإكساب أفعالهم شرعية لا يستحقونها، خاصة وأن هذا المواطن قد أدرك كم عانى ويعاني من هؤلاء ومن أفعالهم ومواقفهم ومن فسادهم وانحرافهم ومن خطابهم الإعلامي الموجه، فهذه اللعبة السياسية التي يلعبها هؤلاء على المواطن صارت مكشوفة، وأصبح هذا المواطن أكثر وعياً بما يستحق تحركه وحماسه وتضحياته.
فهذا المواطن الذي هتف من قبل: “عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية” لم يهتف إلا بما يمس حياته ومصالحه ومستقبل أبناءه بعيداً عن الدعاية الجوفاء التي لا يرى لها أثراً في حياته. كما أن الأيام والتجارب أثبتت له أنه لا يجب أن يصدق كل العبارات الرنانة التي يستخدمها البعض لدغدغة مشاعره وإثارة حفيظته، وفي أحيان كثيرة تكون سلبية هذا المواطن فى التفاعل مع الأحداث والاستجابة لمحاولة تسخينه وتحريكه هي أبلغ رد على هذا الابتزاز والدعاية الموجهة.
ولأن وعي المواطن هو الخطر الأكبر الذي يخاف منه الفاسدون الذين يحركون الأحداث داخلياً وخارجياً، لذلك يعد تغييب هذا الوعي هو الهدف الأسمى لكافة الآليات الإعلامية والدعائية التي يستخدمها هؤلاء، يستخدمون فيه الإلحاح والتخويف والإلهاء وإثارة النعرات الدينية والوطنية والعرقية والقبلية. إلا أنه رغم نمو وعي المواطن العادي الذي نعول عليه، إلا أن هذا الوعي يكون فى أضعف حالاته فى أوقات الأزمات الاقتصادية وتهديدات مصادر العيش وفرص العمل وإغلاق المنافذ أمامه لحرية الحركة بحثاً عن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية أمام قوى أخرى فاسدة ومحتكرة ومتواطئة ضد مصالحه، في هذه الحالة يكون المواطن مؤهلاً للاستجابة لأي دعاية والتورط فى أي تحركات كنوع من التنفيس عما بداخله من خوف على فرصه المشروعة فى الحياة الكريمة.
Categories: أعمدة الرأى