Menu

الصيف ساخن لكن الحرب بعيدة

 بقلم : عبد المنعم مصطفى

على مدى سنوات اعقبت الغزو الامريكي لافغانستان بعد هجمات سبتمبر ٢٠٠١، ارتفع سعر الزفت بشدة بسبب حاجة الجيش الامريكي الى بناء قواعد ومهابط للطائرات، وارتأى رجال البازار في ايران ان الفرصة مواتية للحصول على دولارات امريكية كانت طهران تتحرق شوقاً اليها.
شحنات الزفت الايراني كان يجري تصديرها عبر الحدود مع افغانستان، ليقوم وسطاء افغان بتسليمها لسلاح المهندسين الامريكي، الذي يستخدمها بدوره من اجل إقامة قواعد جوية داخل افغانستان.
عملية تمرير الزفت الايراني الى القوات الامريكية، كانت تتم داخل حجرات أقيمت قرب منطقة حدودية، يجري داخلها اعادة طلاء حاويات الزفت بلون مغاير وتسجيل بيانات مضللة فوقها لإخفاء هويتها الإيرانية.
الأمر ذاته جرى لاحقاً بعد الغزو الامريكي للعراق في مارس ٢٠٠٣، عندما كانت مناطق في لبنان وسوريا ، يسيطر عليها موالون لإيران، تقوم بتزويد القوات الامريكية في العراق بأحذية جنود وملابس عسكرية.
كان الخطاب الايراني في جهة، والسلوك الايراني في جهة أخرى تماماً، كان الأمريكيون يريدون الزفت الايراني لقواعدهم الجوية، ويحصلون من عملاء طهران في لبنان وسوريا، على خدمات لوجستية( أحذية جنود وثياب عسكرية للجيش الامريكي في العراق).
كانت طهران تريد دولارات واشنطن، وكانت واشنطن تريد زفت ايران، ولم تكن أجواء العداء، ولغة الخطاب السياسي الحادة، مانعاً من تبادل المنافع بين البلدين في أحلك الظروف.
وبينما كانت مفاوضات ايران حول ملفها النووي تتعثر مع اوروبا، كانت سلطنة عمان تستضيف مفاوضات اخرى سرية بين ممثلي ادارة الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما، وبين ممثلي المرشد الايراني علي خامنئي، انتهت لاحقاً بإبرام الاتفاق النووي (٥+١) الذي انسحب منه لاحقاً الرئيس الأمريكي ترامب.
في الأزمة الراهنة، يبدو التصعيد اللغوي مستمراً، والحشد العسكري جار، وان يكن بوتيرة بطيئة، لكن ايا من الطرفين الايراني أو الأمريكي، لا يبدي عزماً على الذهاب الى الحرب، وان تظاهر – أحياناً- أنه غير مبال بتجنب وقوعها.
على مدى أكثر من عامين منذ يناير ٢٠١٧ ، أبدى الرئيس الأمريكي ترامب، ميلاً الى الانسحاب من ساحات مواجهات عسكرية في الشرق الاوسط بصفة خاصة، لكنه أبدى مراراً ميلاً الى التلويح العنيد باستخدام القوة بهدف حمل خصومه على التراجع، واضطر مراراً ايضا الى القيام بضربات عسكرية رمزية ضد اهداف رمزية ايضاً، لحفظ ماء وجه الهيبة الامبراطورية الامريكية.
في الأزمة الراهنة تريد الولايات المتحدة تشديد الحصار على ايران ووقف صادراتها من النفط، وتريد طهران تقليص الحصار الامريكي ضدها، رافعة شعار ابي فراس ال�
 شعار ابي فراس الحمداني :
( إذا مت ظمآن فلا نزل القطر) يعني ان لم اصدر نفطي، فلن ادع الآخرين يصدرون نفطهم.
تشديد الحصار الامريكي على نفط طهران، يقتضي بناء تحالف دولي واسع يمنح فكرة الحصار المطلق سنداً أخلاقياً وعملياً وقانونياً.
استهداف ناقلات نفط في بحر عمان، يخلق حاجة طبيعية الى تأمين قوافل النفط في الخليج وربما في بحر العرب والبحر الأحمر أيضاً.
عملية تأمين قوافل النفط، تمثل استجابة طبيعية لاحتياجات مشروعة لدى الدول المستهلكة، وكذلك لدى الدول المصدرة للنفط وأغلبها دول نامية، لا تمتلك بذاتها قدرات عسكرية كافية لتأمين صادراتها النفطية.
حرب الناقلات التي نشهد بداياتها في الخليج، تنتج بذاتها حاجة لدى الدول الصناعية الكبرى لتأمين قوافل النفط في الخليج ، وهو ما يحقق حاجة امريكية الى بناء تحالف يتحمل اطرافه جانباً مهماً من الاعباء السياسية والمالية والعسكرية لعملية حماية قوافل النفط، التي قد يمتد مداها الزمني لأبعد مما يتصور كثيرون.
إدارة ترامب تلوح بالحرب، لكنها لا تريد ان تخوضها، وتتصور ان الضغوط والحصار كافيان لاجبار طهران على الاستجابة لشروط بومبيو الاثنى عشرة.
نجاح مبدأ ترامب ( الضغط بالقوة دون استخدامها) سوف يعني تعميد زعامة امريكا للنظام الدولي ، بعد سنوات من التراجع للقوة الأمريكية.
المعركة الدائرة الآن في مياه الخليج ، هي محطة الولادة الجديدة للنظامين الاقليمي والدولي.

Categories:   أعمدة الرأى

Comments