Menu

ما بين الصدق التقريري و الصدق الفني ..

بقلم : أ.د. احمد فتحي الحياني 

النسبة الكلامية بين الواقع البلاغي الفني والواقع الحقيقي الخارجي :

فرَّقت البلاغة العربية بينهما تفرقة دقيقة ، من خلال النظر في الفرق بين النسبة الكلامية بمفهومها الخارجي التطابقي ، والنسبة الكلامية ومفهومها في الواقع البلاغي الفني .
وجَعَلت مقياس ( الصدق والكذب ) هو المعيار في التطابق مع اختلاف مفهوم هذا المقياس فيهما .
الواقع الخارجي يُبحث فيه عن (الصدق والكذب ) بمطابقة النسبة الكلامية له.
فإذا تحقَّقت المطابقة بينهما تحقَّقت الفائدةُ ولازم الفائدة من الكلام صدقا بمطابقته ، وكذبا بمخالفته . والكلام في هذه المطابقة في معظمه لايخرج عن وظيفة التواصل الاجتماعي بأشكاله المختلفة وميادينه المتعددة بطابعه التقريري الحرفي المباشر .
في حين إنّ ( الصدق والكذب ) في الواقع البلاغي الفني هما من نوع آخر لارتباطهما بالمعاني المرادة للمتكلمين أو المبدعين في ميدانها الإنساني الرحيب الواسع الذي يتجاوز بآفاقه التعبيرية الفنية الجمالية التطابق الخارجي . وهما :
الصدق الفني ، والكذب الفني ، ومعيار تحديدهما من خلال تطابقهما أو عدم التطابق على ( الواقع الفني ) المخصوص .
فإذا تحقَّق الصدق الفني بمطابقته للواقع الفني في بيئته كان صادقا صدقا فنيا .
وإذا لم يحقِّق تلك المطابقة مع واقعه الفني كان كاذبا كذبا فنيا .
ولكل أمة من الأمم واقعها الفني الخاص بها بخصائصه الأدبية وسماته الإنسانية التي يُعرف بها على مرّ التاريخ مهما تقدّم في الزمان وتطوَّر بأبعاده الفنية وأجناسه الكلامية ، ولكنه لايخرج عن أصالته وهويته وغاياته الإنسانية وأهدافه ، لأنّ الوسائل غير الأهداف والغايات والسمات والخصائص .
لذلك يتعدَّد الواقع الفني بتعدد البيئات في النتاج الإنساني ، وعملية التأثر به ، أو نقله من إلى واقع فني آخر يجب أن تكون إيجابية واعية تحرص على الأصالة والهوية والفرادة والطابع الخاص لواقعها الفني .
وبذلك يفرض الواقع الفني الأصيل المختوم ببيئته نفسه في النتاج الإنساني على وجه العموم بما يحمله من خصائص بيئته الأصيلة بطابعها وخصوصياتها وفرادتها التي تميزها من غيرها ، وبذلك يتحقّق التفاعل الإيجابي الثري بين آداب الأمم .

Categories:   إتصل بنا

Comments