Menu

تعليق على بيان الاتحاد العام

بقلم: طارق أحمد مصطفى

مثلي مثل زملائي من العاملين بالمؤسسة الثقافية العمالية، استقبلت بدهشة ذلك البيان العاجل الصادر اليوم السبت 10/10/2020 باسم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بشأن الأزمة الأخيرة للمؤسسة الثقافية العمالية والجامعة العمالية. وتلك الدهشة ترجع لأن البيان خلا من الموقف الذي كان العاملون ينتظرونه من قيادات الاتحاد العام بعد مطالبتهم الصريحة واللحوحة بنقل تبعية المؤسسة والجامعة عن الاتحاد العام، وبدا لنا كعاملين أن القيادات التي صاغت هذا البيان لم تفهم جيداً معنى أن يطالب العاملون بالانفصال ونقل التبعية، وتعاملوا وكأنهم لم يسمعوا شيئاً، وبدا الأمر مثل زوج طلبت منه زوجته الطلاق فى الصباح فانصرف لعمله دون أن يعلق ثم عاد فى المساء يسأل أين الطعام ويعاتبها لأنها لم تقم بكي ملابسه، فلابد أن تلك الزوجة ستشعر بالإهانة لأن هذا الزوج لم يأخذ طلبها على محمل الجد.

نعم نحن كعاملين نشعر بالإهانة، ونشعر بمرارة الخذلان، فالأمر ليس متعلق بأزمة اليوم، ولكنه متعلق بتاريخ من الأزمات تعرضت لها المؤسسة والجامعة. وحسن فعل هذا البيان أن ذكر أن الأزمات المتكررة بدأت منذ عام 2007، بعد حوالي خمسة عشر عاماً ذهبية فى تاريخ المؤسسة والجامعة العمالية حدث بها تطوير وتوسع وانتعاش مالي غير مسبوق جعلت الجامعة العمالية توفر آلاف فرص العمل الكريمة فى الكثير من المحافظات، ووفرت كذلك موارد تغطي الاحتياجات التثقيفية للاتحاد العام ونقاباته في وقت التحولات الاقتصادية الكبيرة فى التسعينات والتي كانت تتطلب تكثيف برامج التثقيف والتدريب للعمال والنقابيين.

في ذلك العام (2007) حدثت أول وقفة احتجاجية للعاملين في تاريخ المؤسسة، وكانت ضد سياسات السيد مديرعام المؤسسة الجديد الذي كان قد تولى منذ عام واحد، والذي ساندته وقتها السيدة الوزيرة للبقاء فى موقعه، وأذكر أنني حضرت لقاءاً عقده السيد مدير عام المؤسسة بدار الإقامة بعد فض هذا الاحتجاج، حضره أغلب قيادات الاتحاد العام وقتها، ليعرض عليهم ظروف المؤسسة المالية والتي قال أنها كانت سبباً في سياساته التي أغضبت العاملين، وطلب منهم التدخل المباشر في حل الأزمة، على الرغم من أن حسابات المؤسسة والجامعة وقتها كانت لا يزال بها من الودائع والأرصدة ما يكفي احتياجات التطوير ومستحقات العاملين، وكان مكتب التنسيق لازال يرسل بأعداد كبيرة من الطلاب للجامعة العمالية وفروعها، ولم تكن الأزمة المزعومة بذلك الوضوح الذي صارت عليه اليوم!!

منذ ذلك الحين تقريباً بدأ الاتحاد في التدخل المباشر فى الإدارة التنفيذية للمؤسسة والجامعة، ومنذ ذلك الحين بدأت الأزمات فى الظهور، ومنذ ذلك الحين بدأ عدم الاستقرار فى مناصب مدير عام المؤسسة ورئيس الجامعة، وبدأ التقليص في صلاحيات المنصبين والتضارب بينها في كثير من الأحيان، وهو ما أدخل المؤسسة فى أزمة تلو الأزمة، وما أفقدنا ثقة ودعم أجهزة التعليم العالي والجامعي، والتي بدورها بدأت في تقليص أعداد الطلاب وتخفيض تصنيفنا من هيئة للتعليم العالى تستقبل طلاب الثانوية العامة والدبلومات الفنية إلى هيئة تعليمية لا تستقبل إلا طلاب التعليم الفني، ثم من هيئة تقدم شهادة عليا إلى هيئة تقدم تعليم فوق متوسط فقط، ثم تقليل التصنيف أكثر وأكثر إلى هيئة تقدم تعليم فوق متوسط بشهادة منتهية لا تسمح للطالب باستكمال تعليمه فى أي مؤسسة أخرى، وهو ما يعني فعلياً إغلاق الجامعة العمالية برمتها والقضاء على مصدر الدخل الذي كان يفتح بيوت أربعة آلاف عامل وعاملة، ويوفر التدريب والتثقيف لآلاف من العاملين المصريين في كافة المواقع.

وأعترف أنه من الظلم أن ننكر أن قيادات الاتحاد وبعض المسئولين بالمؤسسة الذين تصدروا المشهد في فترات متتالية كانت لديها نوايا إيجابية للتدخل فى الحل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى ولو من باب حفظ ماء الوجه، ولكن من الواضح أن تدخلاتهم لم تكن كافية لإقناع وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات، بل أحياناً كان لتدخل بعضهم أثر سلبي زاد الأمور تعقيداً، وكما هي العادة لا أحد يحب أن يعترف بافتقاده للخبرة والتخصص، في وقت لم تعد فيه الأساليب القديمة للتدخل تنجح فى إصلاح الأمور كما كانت تنجح من قبل، خاصة وأن الأمر يتعلق بشأن تعليمي أكاديمي يحتاج لمتخصصين لا هواة ومجتهدين. وأعترف كذلك بأن بعض قيادات الاتحاد حاولت تكليف متخصصين وإعطاء العيش لخبازه إلا أن الأمر لم ينجح إما لأن هذا المتخصص لم يعط فرصته كاملة أو أنه تم إساءة معاملته بطريقة غير مقبولة فى الوسط الأكاديمي أو أنه لم يكن مخلصاً للمكان ولسمعته الأكاديمية بما يكفي.

من ناحية أخرى، فإن أي متابع للشأن النقابي منذ 2011 يعلم أن الوضع النقابي المصري لم يعد مستقراً كما كان من قبل، وأن التوافق الذي دام طويلاً بين سياسة الدولة ممثلة فى وزارة القوى العاملة وبين توجهات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر صار مفتقداً، بل وصل الأمر فى بعض الأحوال إلى التباين والعناد، فقد كان رئيس الاتحاد هو ذاته وزير القوى العاملة فى عهد الأستاذ سعد محمد أحمد، ومن ثم كان رئيس الاتحاد له كذلك سلطة تنفيذية وله تواصل مباشر مع مجلس الوزراء ورئيس الدولة، وقد كان لهذا الوضع لرئيس الاتحاد دور مهم فى دعم التثقيف العمالي وإنشاء الجامعة العمالية. بعد ذلك، وخاصة فى عهد تولي الأستاذ أحمد العماوي وزارة القوى العاملة والأستاذ السيد راشد رئاسة الاتحاد كان التوافق وتكامل الأدوار جلياً بيناً، وقد استفادت المؤسسة الثقافية العمالية والجامعة منه أيما استفادة.

أما اليوم فلم يعد يخفى على العاملين بالمؤسسة والجامعة تلك الجفوة الواضحة بين قيادة الاتحاد العام وبين السيد وزير القوى العاملة، فلا نذكر أننا شاهدنا اجتماعاً يجمع الطرفين لحل ازمات الحركة النقابية المصرية بصفة عامة والمؤسسة الثقافية العمالية بصفة خاصة، وغير خاف علينا تأجيل السيد الوزير المشرف على المؤسسة الثقافية العمالية المتكرر لاعتماد قرارات مجلس الإدارة، بل وصل الأمر أن بعض العاملين بل والمسئولين بالمؤسسة صار يخشى لقاء أحد الطرفين لكي لا يثير حفيظة الطرف الآخر، وهذا الأمر في رأيهم قد جعل وضع المؤسسة والجامعة (مثل البيت الوقف) بحسب تعبير البعض، كل الأطراف ترهن تدخلها ومساهمتها فى الحل بما سيفعله الطرف الآخر، وبقدر ما سيقدمه من تنازل، وكل طرف يضع (العقدة فى المنشار) أمام الطرف الآخر في تلك الأزمة، وصاروا جميعاً يلقون من أيديهم مسئولية المؤسسة والجامعة كما تُلقى كرة اللهب.

وعندما رأى العاملون ذلك الوضع غير الطبيعي، ورأوا أن أزمتهم المالية لم يعد فى مقدور الاتحاد العام تقديم حلول واضحة لها، واعتبروا أن الاتحاد العام قد استنفذ محاولاته في حل الأزمة، والتي صارت تنتقل من سيئ إلى اسوأ، حتى وزارة القوى العاملة التي من المفترض أنها تُشرف عليهم عاملتهم كما تعامل العمالة غير المنتظمة ووضعت لهم منحة مزرية يصرفونها من خلال مكاتب البريد!!، فإنهم بلوروا مطلبهم بأن يتوجهوا – لا إلى وزير القوى العاملة – ولكن إلى رئيس الوزراء مباشرة وهو أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، ووجهوا استغاثتهم إلى السيد رئيس الجمهورية شخصياً الحكم بين السلطات كي يستطيع بسلطته على الجميع أن يحل ذلك التضارب الواضح فى التوجهات والقرارات بين كل من وزارة القوى العاملة ووزارة التعليم العالي والاتحاد العام لنقابات عمال مصر.

لقد علم العاملون بخبرتم فى التعامل مع تلك الأزمة أن كل الأطراف المسئولة لا تستطيع أن تبلور حلول واضحة للأزمة، بل إن بعض المسئولين الكبار مع الأسف أبلغوهم أن المؤسسة والجامعة فى طريقها للتصفية وتسريح العاملين، وهو أمر لو تعلمون عظيم، وستكون جريمة كبرى فى حق صرح ضخم وفي حق عمال مصر جميعاً إن وقعت، ولا أدرى كيف لإنسان مسئول ورجل دولة أن يزيد النار اشتعالاً بتصريح كهذا في وقت كهذا. لذلك فإنه رغم احتياجهم العاجل لصرف رواتبهم إلا أنهم وضعوا مطلب نقل التبعية لمجلس الوزراء على رأس المطالب.

ومن يرى أن شهادة العاملين مجروحة فى تلك الأزمة، فليسأل بعض الاسماء المهمة التي تولت مسئولية المؤسسة والجامعة خلال السنوات الأخيرة، ومنهم أساتذة جامعات مرموقين ولواءات محترمين بالشرطة وبالجيش، وكلهم قامات علمية وخبرات قيادية كبيرة تولت مسئولية المؤسسة والجامعة فى فترات قريبة والجميع لم يُمكّنوا من العمل بسبب صعوبات العمل مع بعض قيادات الاتحاد العام الذين تولوا مجلس الإدارة وغياب التنسيق والتعاون بين الاتحاد وبين وزراة القوى العاملة. ومن أراد فليسأل بعض من أطال الله أعمارهم من قيادات الاتحاد العام الذين تركوا المسئولية ليعلم ما هي المؤسسة الثقافية العمالية وكيف كانت وما هو دورها في خدمة الحركة النقابية المصرية، وليسأل من يشاء وزراء قوى عاملة سابقين لازالوا أحياء يرزقون وهم شهود على عصر تراجع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر في التعامل مع ملف الثقافة العمالية، وليسأل كذلك من يشاء بعض قدامى العاملين بالمؤسسة والجامعة الذين لازالوا على قيد الحياة ليدركوا الفجوة بين ما كانت عليه هذا المؤسسة والجامعة وما صارت عليه.

فليبحث من يشاء عن كم أنشطة التدريب والتثقيف والمؤتمرات التي تقدمها نقابات الاتحاد العام لأعضاءها بنفسها وبعيداً عن المؤسسة الثقافية العمالية ليعلم كيف اصبحت تلك المؤسسة كمّاً مهملاً للاتحاد ونقاباته لم يعودوا يستعينوا بها حتى فى المهمة الرئيسية التى أنشئت من أجلها، وليسأل من يشاء عن النقابات التي تمتنع عن التعامل مع المؤسسة بمعاهدها ومراكزها منذ سنوات بسبب تولي هذا أو ذاك مسئولية المؤسسة – ومنها نقابة النقل البري التي يراسها السيد رئيس مجلس الإدارة شخصياً، فليسأل من يشاء لماذا تُعقد اجتماعات مجلس إدارة المؤسسة والجامعة خارج المقر ولماذا تتباعد مواعيد انعقادها وما هي القضايا والملفات التي تناقش فيها والقرارات التي تصدر عنها، وليسأل عن آخر مرة زار فيها أحد مسئولي الاتحاد للمؤسسة وجلس مع العاملين واستمع لشكاواهم، فربما يُعلم حجم اهتمام الاتحاد العام وقياداته بالمؤسسة، وكيف يعتبرونها عبئاً عليهم، ويُعلم لماذا يطالب العاملين بمظلة أخرى لمؤسستهم أكثر اهتماماً وتفرغاً وجدية، حتي إن لم يكن من أجل رسالة هذه المؤسسة في توعية وتثقيف وتعليم الطبقة العاملة المصرية، فمن أجل الحفاظ على المال العام المُهدر والمهمل فى هذه المؤسسة وعلى مستقبل العاملين وأسرهم.

وقد كنا كعاملين نعتقد أن المطالبة بنقل التبعية هو في حقيقته إنقاذ للاتحاد العام من ورطته في هذا الملف المربك والشائك ورفع الحرج عن قياداته، حتى يتفرغوا إلى دورهم الحقيقي فى حماية حقوق العاملين داخل الدولة وهو دور يحتاج لوقت قيادات الاتحاد أكثر من الأمور الإدارية والفنية الخاصة بإدارة مؤسسات تعليمية ضخمة ومتشعبة، ومن ثَم تحميل المسئولية مرة أخرى للدولة التي انشأت قديماً هذه المؤسسة والجامعة ثم تكاد تتخلى عنهما اليوم، ولم يكن المقصود بنقل التبعية هو فك الارتباط بالكامل مع الاتحاد العام، فستبقى المؤسسة والجامعة دائماً وأبداً في خدمة عمال مصر وأعضاء النقابات المصرية كما كانت دائماً، ولكن المقصود هو أن تتولى إدارة أكثر احترافية وأكثر تفرغاً لمهام مجلس الإدارة، وأن تتحمل الدولة مسئوليتها فى دعم المؤسسة والجامعة في أزمتها حتى تقف على أقدامها من جديد، ولكن للأسف لم يأت بيان الاتحاد على مستوى تطلع العاملين، وجاء مليئاً بوعود لا يظن العاملون أن الاتحاد العام قادر على الوفاء بها.

Categories:   أخبار, السلامة و الصحة المهنية, المؤسسة الثقافية العمالية, المرأة العاملة, المرأة و المجتمع, المواطن هو البطل, تثقيف عمالى, صوت الجامعة العمالية, ضمان الجودة والأعتماد, عن الجامعة العمالية, عن المؤسسة الثقافية العمالية, كلمة و مقال

Comments