حلول لأزمة الجامعة العمالية
حلول لأزمة الجامعة العمالية
بقلم اللواء : د. علاء عبد المجيد
إن تطوير الإستراتيجية التي سوف تنهض عليها السياسة التعليمية المصرية يستلزم قراءة مستقبلية لطبيعة الإقتصاد المصرى خلال الحقب الزمنية المقبلة؛ و ذلك يكون وفق رؤية طموحة تقوم على تخطيط علمي وإستشراف المجالات الصناعية والخدمية الواعدة التي يتعين على النشاط الإقتصادي إختراقها وتحقيق معايير الجودة العالمية فيها ، وذلك من خلال تحديد مواطن القوة والتميز العديدة التي نمتلكها مع العمل الدؤوب علي تعظيمها عبر توجيه الموارد المالية والبشرية صوب الإستثمار فيها وفقاً لمفاهيم التنمية الشاملة.
لقد أشتهر العامل المصرى عبر التاريخ بالمهارة والإبداع ، ولم تزل المسلات الشاهقة والمعابد الشامخة والمقابر المزخرفة تقف كشاهد عيان يقر بتفرد الأيادي التي أبدعتها حيث تتحدى في شموخها مرور القرون والأزمنة ؛ وقد ظل الإتقان والإبتكار لصيقان بالعامل المصري عبر العصور المختلفة حيث قامت معظم الحضارات القديمة في المنطقة فوق عاتق وإبداع العامل المصري، ولكن .. إستعادة ذلك المجد التليد صار يحتاج إلى مقومات جديدة لأجل الإرتقاء لمراتب المهارة بمفهومها المعاصر ، وفي مقدمة تلك المقومات يقف التعليم کركن رئيس ، و هو ذاك التعليم الذي يختلف جذرياً عن مفهوم توارث المهن والفنون اليدوية ، إنه التعليم الفني الممتزج بالتدريب المباشر شريطة أن يرتبط ذلك التعليم الفنى المأمول بأحدث العلوم التقنية والوسائل التكنولوجية من جانب كما يرتبط أيضا بسوق العمل الفعلي من جانب آخر ؛ فإذا تمكنا من تحقيق تلك المعادلة المتوازنة في جانبيها سنغزو العالم بمنتجات مصرية فائقة الجودة وسيعود لشعار « صنع في مصر » هيبته ، هذا .. بالإضافة إلى تصدير الأيدي العاملة الماهرة لشتى أرجاء الوطن العربي .
وللحق … فلقد بدأت الدولة المصرية المضي في هذا الطريق التنموي الواعد حين أفتتحت بعض الجامعات التكنولوجية كإستهلال محمود لرد الإعتبار للتعليم الفني وتبديل النظرة المجتمعية إليه؛ لكن الإستراتيجية الشاملة التي نرنو صوب تحقيقها على أرض الواقع يستلزم تحقيق أهداف التعليم الفني المتخصص والممتزج بالتدريب الراقي عبر ربط التعليم الفنى الثانوى مباشرة بالجامعات التكنولوجية، مع إبتكار و استحداث تخصصات جديدة تتواءم مع الرؤية المسقبلية للإقتصاد المصري.
إن مصر تمتلك العديد من المؤسسات التعليمية القادرة على الإضطلاع بهذا الدور التنموي والذي بات في مقدمة الأولويات شريطة أن تشملها خطط التطوير والتحديث التى ترعاها الدولة المصرية في مجالات عديدة
و في مقدمة تلك المؤسسات التعليمية تقع الجامعة العمالية العريقة في مكانة متميزة بخبراتها المتراكمة عبر ما يزيد عن الربع قرن من تقديم التعليم الفني العالي بمجالات متفردة حقاً ..، حيث أمتازت بمنح درجة البكالوريوس في مجال رقابة الجودة الصناعية والإنتاجية على مدار سنوات ، و ذلك قبل أن تمر بظروف عصيبة تضافرت خلالها عوامل عديدة (لا داعي للخوض فيها الآن) أدت لقيام المجلس الأعلى للجامعات بحجب درجة البكالوريوس والإكتفاء بدرجة الدبلوم فوق المتوسط فقط ، وهو القرار الذي أغلق باب التعليم الفني العالي أمام فئة أبناء عمال مصر ، و هي الفئة التي قامت الجامعة العمالية لأجلهم حيث أتاحت لهم فرص التعليم والتدريب بمصروفات رمزية زهيدة ، وعلى الجانب الآخر فلقد حرم هذا القرار السوق العربي من عمالة فنية متدربة ومصقلة بالعلم.
وأنا هنا أتوجه بنداء لمعالي رئيس الوزراء بإعادة النظر بعين الرعاية لتلك الجامعة المتفردة والتي تمتلك من البنية الأساسية والإمكانات الفعلية وكذلك الموارد البشرية ذات الخبرات المتراكمة ما يؤهلها لتكون بمثابة القاطرة للإستراتيجية التعليمية الجديدة والتي تهدف لتشجيع الشباب نحو الإنخراط في التعليم الفني العالي ومن ثم الإرتكان عليهم لتحقيق طفرة إنتاجية تُعلي من قيمة الجودة.
و كذا .. أناشد معالي وزير التعليم العالي بتقديم يد العون والمساندة لتطوير الجامعة العمالية لكي تنهض وتضطلع بدورها الذي طالما قامت به، حيث قامت بتخريج الآلاف من مراقبي الجودة والمنتشرين بشتى مواقع الإنتاج الفعلي في الوطن العربي حالياً ؛ و إن كنت أقر بضرورة القيام بعملية تطوير علمي و فعلي يستند لأحدث النماذج الدولية للجامعات التكنولوجية المعاصرة مع ضرورة إستحداث شعب جديدة و تخصصات معاصرة تتوافق مع الخطة الشاملة للدولة المصرية و تلبي الإحتياجات الفعلية لسوق العمل وفق إستراتيجية تحديث التعليم و التشغيل.
Categories: أخبار الجامعة, أعمدة الرأى, المؤسسة الثقافية العمالية