على الله حكايتنا
على الله حكايتنا
بقلم: طارق أحمد مصطفى
على كثرة حالات تصفية الشركات وحل المؤسسات وتسوية النزاعات العمالية، لا أظن أن هناك مؤسسة في مصر تمر بما تمر به المؤسسة الثقافية العمالية والجامعة العمالية منذ سنوات، ولا حالة مستعصية مثل حالة هذه المؤسسة المنكوبة. أظن أنها حالة دراسية ثرية بالمعضلات التي تستحق جهد الباحثين فى مجالات الإدارة والاقتصاد والسياسة والاجتماع والتعليم، وربما في الأساطير والروحانيات، حيث أننا كعاملين بهذا الكيان – من فرط ما استعصت علينا الأزمات – أصبحنا نفكر أن ربما هناك بعد ما ورائي غرائبي وراء معضلتنا، لعل حالنا أشبه بمطرقة “ثور” – أحد الآلهة الأسطورية – التي ألقاها ثم غادر ولم يستطع أحد أن يحملها من بعده، لعلها لعنة أو سحر مغربي ألقاه أحد الحاقدين على المؤسسة فى أوج عزها وخبأه فى مكان ما، أو جاء به سائلاً ثم (رشّه) على عتبة الباب ولا يزول بالمسح والكنس، فحقاً ما يحدث لنا هو (حاجة كده بسم الله الرحمن الرحيـم) لا نعلم لها أول من آخر ولا نستطيع الإمساك ببدايتها ولا توقع نهايتها.
لا تتعجب عزيزي القارئ الذي لا علم له بمؤسستنا، فحتى الشيخة خديجة المغربية لن تستطيع فك عمل لم تنجح في فكه الحكومة المصرية ولا اتحاد عمال مصر ولا الجهات الأمنية ولا المؤسسات الدولية. تخيل معي كم مر على المؤسسة من إدارات متعاقبة من أبناء المؤسسة ومن أساتذة جامعات وضباط شرطة وضباط جيش والعديد من القيادات العمالية من قطاعات عدة ولم يستطيعوا فعل شيئ، تخيل معي أن ملف الجامعة العمالية اجتمع لدراسته لجان من 6 وزارات ولما تمخضت اللجان ولدت (فقراً)، تخيل معي أننا صرفنا من صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة ما يقارب 100 مليون جنيه ضاعوا في استكمال مرتبات العاملين وهو ذات المبلغ الذي كان مطلوباً من أجل استكمال تطوير منشآت ومعامل ومناهج الجامعة (آه والله زيمبؤلك كده) ، أي أنه لو كان تم توجيهه منذ البداية لهذا الغرض لكانت الجامعة الآن – كما قيل لنا – ناهضة وعاملة بكامل طاقتها كما كانت منذ 15 عاماً وقادرة على الوفاء بالتزاماتها ويفيض.
أظن . . من المنطقي بعد كل ذلك أن تنبت بيننا نظرية المؤامرة في تفسير هذه الحالة المستعصية الشائكة الغير مفهومة !! لازالت كلمات وزير الثقافة الراحل في حواره التليفزيوني من عدة سنوات ترن في أذني وهو ينقل عن وزيرة القوى العاملة السابقة قولها (المؤسسة دي احنا قفلناها)، وبعض الأشخاص يقسمون أغلظ الأيمان أنهم سمعوا مسئولين كباراً يقسمون بالله أنهم (حيجيبوا درفها)، بعض النقابيين نقلوا لنا صراحة ما نهمس به في الخفاء من رفض قيادات نقابية كبيرة الاستعانة بالمؤسسة فى تثقيف عمالهم، بل ورفضهم لفكرة تثقيف العمال من الأساس، ونقول بيننا وبين أنفسنا هل هو توجه شخصي لهؤلاء أم هي تعليمات جهات أمنية لا تريد للعمال أن يتثقفوا حتى لا يعرفوا حقوقهم ويطالبوا بها، على الرغم من أننا نعلمهم كيف يطالبوا من خلال الحوار والتفاوض وليس من خلال الاعتصامات والإضرابات وهو ما أظن الجهات الأمنية لن تعارضه، أم أن الأمر ليس تعليمات من أي جهة، بل هو توجهات هؤلاء النقابيين أنفسهم حتى لا تظهر قيادات جديدة تنافسهم فى مواقعهم!
البعض ذهب بنظرية المؤامرة إلى نطاق أوسع، فيرون أن هذه مؤامرة من جهات نافذة في الدولة بالتواطؤ مع أصحاب بيزنس الجامعات الخاصة من أجل إغلاق الجامعة العمالية التي كانت تستوعب آلاف الطلاب بتكاليف قليلة إذا ما قورنت بغيرها، ولعل ما يدل على ذلك أن وزارة التعليم العالى (ما بتحبكهاش) بهذه الدرجة مع معاهد بير السلم التي تملأ أرجاء الجمهورية تحت سمع وبصر ومباركة الوزارة، الموضوع إذاً ليس موضوع تطوير، البعض يروي عن مسئول كبير داخل وزارة التعليم العالي – لا زال رابضاً في مكانه منذ سنوات طويلة – أنه أقسم (والله لأقفلها لهم)، ولا نعلم ما سر كل هذا التعنت والتأجيل والترحيل والتسويف وإمضاء السنوات وراء السنوات دون حل حقيقي، هل المجلس الأعلى للجامعات هو السبب!!، قلنا لهم ابعثوا للجامعة من يديرها بمعرفتكم فجاء من ظنناه على علاقة وطيدة بأعضاء المجلس – لا تتعجب فهكذا تسير الأمور في مصر – فلم يفلح وتربح من المكان بالفساد في عهد قيادة عمالية كانت تتشدق بمحاربة الفساد، بينما أفلت كلٌ بفعلته ونحن العاملون من نتحمل فاتورة كل ذلك.
والأغرب والأعجب، أن العاملين في آخر اعتصام لهم وجهوا نداءهم للسيد رئيس الجمهورية شخصياً وعلقوا صوره على لافتاتهم، ظانين بأن السيد رئيس الجمهورية – الذي يمثل بالنسبة لهم الملاذ الأخير – يمكنه أن يتدخل ليحل الأمر في الحال، إلا أنهم لم ينتبهوا أنه لا أحد مهما كان يمكنه أن يتدخل ضد إرادة الله تعالى ذاته، فأمر وقف حال هذه الجامعة والمؤسسة من الواضح أنه قرار إلهي ورفع هذا القرار هو أمر لم يأذن به الله تعالى بعد، فلا أحد يمكن أن يبني ما نقضه الله تعالى. وليس أدل على ذلك من أنه بعد انتهاء اعتصام العاملين بأيام فوجئنا بالبلدوزارات تزيل سور مقر الجامعة الرئيسي بمدينة نصر – الذي وقف بجواره العاملين يهتفون للرئيس – من أجل توسعة الطريق، في تعبير رمزي عما ستؤول إليه أوضاعنا في الجمهورية الجديدة، واتضح أننا أضأل كثيراً من أن ترانا بلدنا أو أن تنظر إلينا بعين العطف والشفقة، وأن أمر هذه المؤسسة وتلك الجامعة أهون كثيراً من أن تجتمع له أجهزة حكومتنا لإصلاحه، وهي ذات الحكومة التي تزيل الجبال من أجل تحقيق الإنجازات العمرانية الكبرى، بينما لم تهتم بإزالة بعض المعوقات الإدارية التي تقف أمام مؤسسة لديها أصول بالمليارات وعليها ديون بالملايين وفي ذمتها حقوق ومصالح آلاف العاملين وأسرهم، وقبل كل ذلك مهمتها بناء الإنسان العامل – تلك المهمة التي لم يخترعها العاملون ولكن أنشأتها الدولة لأجلها وأصدرت بذلك قرارات رئاسية في عهود سابقة.
كل ذلك (كوم) وإهمال اتحاد عمال مصر هو ووزارته (كوم) آخر. هو ليس إهمالاً فقط ولكن مكابرة وعناد ولكاعة. يبدو أنهم اكتشفوا أن إدارة مؤسسة بهذا الحجم الهائل أعلى من قدراتهم الإدارية فأرادوا تقزيمها كي تناسب قدراتهم، بدلاً من أن يكلفوا بها من يصلحها، أو يتركوا حتى من كلفوهم ليقوموا بمهامهم دون تدخل سافر، لن أتحدث عن أن المؤسسة تعمل بدون وجود من يشغل منصب المدير العام منذ أكثر من عام، ولن أتحدث عن أنصاف أنصاف المؤهلين الذين أُلقي بهم ليلوغوا فيها ويتمرغوا على مكاتبها ويمارسوا شهوة (المريسة) على العاملين فيها، وهم لا يصلحون لإدارة مركز واحد من مراكز الثقافة العمالية في الأساس. لن أتحدث عن استنزاف كل منهم للموارد الضئيلة في سد أفواه العاملين بأجور لم تزد منذ سنوات رغم زيادة كل شيئ، دون أن يقوموا باستثمار حقيقي، ولكنهم يحترفون ترك المسئولية قبل خواء الخزينة بقليل كي يلقوا بكرة اللهب فى حجر غيرهم. ولن أتحدث عن صغار العاملين الذين يتم تقريبهم والإصغاء لهم دون غيرهم وتكليفهم بما ليس لهم على حساب الأقدم والأعلم والأكبر منصباً. لن أتحدث عن كل ذلك فهي كلها مظاهر لحالة الخراء العام الذي نعيشه.
أما بعد ، ،
فهذه كانت مقدمة لمقال طلبه مني زملائي بمجلة الثقافة العمالية للتعليق على ما وصلنا إليه وتجميع اقتراحات العاملين في إطار حملة يسعون لشنها كنوع من (آدينا بنعمل اللى علينا على الله ينفع)، ورغم أني ممتنع عن الكتابة بالمجلة منذ فترة إلا أنني أمام إصرارهم عليّ لم استطع الرفض. وأحببت أن أكتب بلهجة لاذعة تعبر عن يأسي وإحباطي الشديدين على أمل أن يرفضوا نشره بهذا الطريقة ويطلبوا تعديله فأرفض في المقابل فلا يتم نشر شيئ لأنني أرى أنه لا جدوى من قول أو كتابة أي شيئ فقد فات أوان الكلام.
ولكن إن كان لابد من اقتراحات، فإن اقتراحاتي التي لا أهمية لها على الإطلاق (مع الاعتذار للكابتن مدحت شلبي) ألخصها في أنني أعمل مدرباً في هذا الكيان منذ حوالى 27 عاماً في مجالات التثقيف العمالي والتدريب النقابي والتنمية الإدارية والبشرية والتوعية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإعداد المدربين وأمور أخرى. وأحسب أنني مشهود لي بقدر من الكفاءة في هذا المجال – ومعي من الزملاء من هم مثلي وربما أفضل ممن يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم – ولازلت أنا وزملائي نتقاضى ما يمكن اعتباره أجور (حتى الآن على الأقل) من هذه المؤسسة (أو إعانات بطالة فى قول آخر) على هذه المهمة التى لم يعد يريدها أحد.
ولا أخفي سراً إن قلت أنني – على المستوى الشخصي – لا يعنيني أمر إصلاح الشُعب الأكاديمية للجامعة العمالية إلا بقدر ما تقوم به من تمويل لقضية التثقيف والتدريب – التى أعتبرها قضيتي وقضية هذه المؤسسة الأساسية – وما توفره من موارد للاستمرار في سداد أجري وأجر زملائي العاملين، وهو سبب إنشاء هذه الشعب في البداية قبل أن تتحول مع الوقت من وسيلة إلى غاية.
وعليه فإن اقتراحي هو: قبول تطوعي – ومعي من يرغب من الزملاء بالمؤسسة – لتدريب أكبر عدد ممكن من النقابيين الجدد والشباب بصفة خاصة لتأهيلهم وإعدادهم – في إطار مشروع قومي متكامل – لتجديد دماء الحركة النقابية المصرية وإصلاح اتحاد عمال مصر بكامل نقاباته ومستوياته، والذي هو – من واقع رؤيتي – يغرق حالياً وتغرق معه مؤسساته بالضرورة كما هو واضح، ونحن مؤهلون لذلك وهذا عملنا وخبرتنا ومهمتنا ووظيفتنا التي نتقاضى الأجر من أجلها.
فإن كانت الدولة مهتمة بذلك فعليها أن تبحث معنا أبعاد هذا المشروع القومي كما نتصوره، ومن ثَم توفر التمويل الكافي له إما بالإسراع في إصلاح وتشغيل الجامعة العمالية بكامل طاقتها لتدر الدخل اللازم لذلك، أو من خلال مشروع ممول من بعض المؤسسات الدولية أو من أي موارد أخرى تراها.
وأما إن كان لا أحد يعي أهمية أن يكون لدولة كبيرة مثل مصر تنظيم نقابي كبير وراسخ يشرفها ويحسن تمثيلها إقليمياً ودولياً، ولا أحد يهتم بإصلاح التنظيم بتركيبته الحالية، ولا رغبة لأحد فى مد يده لتطوير هذا البنيان النقابي، بل يسعد الجميع أن يتركوه ليغرق، أو أن الجميع مكتف وسعيد به بوضعه الحالي ولا يرون به بأساً، فإن كان كذلك فلا بأس !! طالما أن من بيدهم الأمر يعرفون ما يفعلون. ولكن وقتها ليس على أحد أن ينتظر أن تقوم قائمة أخرى للمؤسسة والجامعة الذراع التثقيفي والتعليمي للحركة النقابية المصرية، ولا أن يتم إصلاح أوضاع العاملين فيها وسيبقى حينها الوضع على ما هو عليه بل سينتقل من سيئ إلى أسوء . . وستبقى دائماً وأبداً على الله حكايتنا.
Categories: أخبار الجامعة, أعمدة الرأى, المؤسسة الثقافية العمالية, صوت الجامعة العمالية, عن الجامعة العمالية, عن المؤسسة الثقافية العمالية