لطائف بلاغية
بقلم د. أحمد فتحي الحياني
أستاذ بكلية الآداب
جامعة الموصل
ومن الفواصل الخفية التي تحتاج إلى تدبُّرِ القارئِ وتأمُّلِه حتى يقفَ على مناسبتها ومعناها ، الفاصلة الواردة في قوله تعالى :
” قُلْ إِنْ تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَافِي السَّمواتِ وَمَافِي الأَرضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ” آل عمران /٢٩.
فالمتبادر إلى ذهن القارئ أن تكون الفاصلة ( عليم ) : أي ( والله بكل شيء عليم ) بدلا عن ” والله على كل شيء قدير ” .
ولكنَّ التأمل في الفاصلة القرآنية يكشف لك عن إعجاز القرآن البياني في التعبير عن المعاني المرادة المتناسبة مع السياق .
فالسياق وارد في الوعيد والتهديد ، والتحذير من موالاة الكفار ، وأن الله يعلم مَن يتَّخذُهُم أولياءَ مِمَّن يتَّقي منهم تُقاة…
فالفاصلة : ( قدير ) ” واللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ” ، أضافت معنى دقيقًا مناسبًا لايكتمل المعنى العام للآية إلا به ، أنه – سبحانه – مع علمه الكامل الذي دلت عليه الآية من خلال :
— التعبير الكنائي ب (الصدور ) عن علمه سبحانه بما في بواطنهم وضمائرهم من نوايا وأفكار… : ” إنْ تُخفُوا مَا في صُدُورِكُم أو تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ ” .
— والطباق الضدي بين الإخفاء مافي الصدور والإبداء بها دلّ على عموم علم الله وسعته .
— علمه – سبحانه – بما في السماوات وبما في الأرض ،فعلمه محيط بكلِّ شيء .
ولمَّا كان علمُه – سبحانه – كاملًا جاءت الفاصلة ( قدير ) ببيانها لتقرر بأنه مع علمه الكامل المحيط بكلِّ شيء ، هو ذو قدرة كاملة لايعجزه شيء عن تحقيق وعيده وعقابه ، فلايفلت أحد منه – سبحانه – ، لذلك كانت الفاصلةُ بالقدرة مناسبةً تمام التناسب في بيانها المعجز البيان عن المعنى المراد .
Categories: الإعجاز فى القرأن و السنة