لطائف بلاغية
بقلم د. أحمد فتحي الحياني
أستاذ بكلية الآداب
جامعة الموصل
” وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ” الحاقة/ ٥٠
هذه الآيةُ تعبيرٌ بيانيٌّ خاص ، المعنى فيها مُضاعَفٌ على وجه التوكيد في بيان حال المكذِّبين الكافرين بالقرآن العظيم في كلِّ زمان ومكان .
فأخبرت هذه الآيةُ المعطوفةُ على ماقبلها التي أخبرت عن حقيقة القرآن بالنسبة للمتقين : ” وإنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ” .
بأنَّ القرآنَ حسرةٌ على الكافرين ، على ( التقابل الضدي ) بين الفريقين الذي يعمِّقُ الدلالات والفوارق بينهما في التلقِّي والاستجابة : للإيمان والهداية ، أو للكفر والتكذيب والضلالة .
والآيةُ فيها من المؤكِّداتِ في مواجهةِ إنكارِهم وجحودِهم ، وتوكيدِ نهايتهِم ومصيرهم ب : ( إنَّ واللام المؤكِّدة ) مع اسمية الجملة الدالة على الثبات والاستمرار في المعنى بتجسيد القرآن ، بأنَّه حسرةٌ على الكافرين .
والحسرةُ : هي الندمُ الشديدُ والتلهُّفُ على شيءٍ مضَى لايُمكنُ نيلُهُ وإدراكُهُ .
حسرةٌ عليهم في الدنيا ، حسرةٌ شديدة مُضاعَفة متسلطةٌ على نفوسهم وقلوبهم لاتفارقهم أبدا ، بدلالة بلاغة الحرف ( على ) : ” عَلَى الْكَافِرِينَ ” ، لأنهم كذَّبُوا به : (وإنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ ) استكبارا وجحودًا… ، بعد أن بيَّنَ لهم الآياتِ والحقائقِ بيانًا ساطعًا سطوعَ الشمسِ في رابعةِ النهار ، فلم يؤمنوا بها ، وهي : ( حَقُّ الْيَقينِ ) .
وكشَف لهم الأباطيلَ التي هم فيها من العباداتِ المزعومةِ ، والضلالاتِ والافتراءاتِ والتَّقَوُّلاتِ… ، وبيَّن لهم ذلك بالحججِ والبراهينِ ، والبيناتِ والسلطان المبين .
وهو حسرةٌ عليهم كذلك في الممات ، وهو ابتداءُ الآخرة ، وأولُ منزلٍ من منازلها ، عندما يَجِدون (أحقِّية القرآن ) بحقائقه اليقينية معاينةً ، فيعلمون أنّ القرآن :
هو سببُ عذابِهم الذي كانوا به يُوعَدون ، فيندمون ندمًا شديدًا ملازمًا لهم ، متكرِّرًا لاينفكُّ عنهم ، ويتلهَّفون لو أنَّهم كانوا مؤمنين .
هذه هي الحقيقةُ اليقينيةُ التي سيُعاينونَها وهم عنها مُعرِضون ، يكشِفُ القرآنُ عنها لكلِّ كافرِ مكذِّبٍ وملحدٍ… وهم بعدُ في الدنيا ، ويخبرُهُم بها على وجه اليقينِ المؤكَّدِ لعلهم ينتهون لو كانوا يعقلون .
Categories: الإعجاز فى القرأن و السنة