الرد على شبهة شمول رحمة الرب مع تتابع الإبتلاء على المؤمنين
إعداد : بسنت منجي
قد تتداعى بعض الشبهات بأذهان البعض منا ؛ فتقفز الهواجس على هيئة أسئلة مثل : كيف تكون رحمة الله تعالى مطلقة و شاملة و تامة بينما يتزايد أعداد المعذبين في الأرض من المؤمنين ..؟!
– لعل قائل يقول : ما معنى كون الله تعالى رحيماً وكونه أرحم الراحمين، بينما منْ يُنعت بالرحيم يكاد ألا يرى مبتلاً أو مضروراً معذبا أو مريضاً وهو يقدر على إماطة ما بهم.. إلا و يبادر إلى إماطته؟!
و بلا مراء ؛ فالرب سبحانه وتعالى قادرٌ على كفاية كل بلية ودفع كل فقر ، وإماطة كل مرض ، وإزالة كل ضُر .. فالدنيا طافحة بالأمراض والمحن والبلايا وهو سبحانه قادرٌ على إزالة جميعها، بينما هو تارك عباده ممتحنين بالرزايا و المحن؟
° فجوابك : إن الطفل الصغير قد ترق له أمه فتمنعه عن الحجامة بينما الأب العاقل يحمله عليها قهراً ،حينها يظن الرائي الغافل أن الرحيم هي الأم دون الأب، لكن العاقل يعلم أن إيلام الأب لولده بالحجامة ينبع من كمال رحمته به و تمام شفقته وعطفه عليه ، وأن الأم صارت له عدو في صورة صديق لأن الألم القليل إذا كان سبباً لنفعٍ مؤكد لم يكن شراً ، بل كان خيراً ، فالرحيم يريد الخير بمن يرحم لا محالة.
ليس في الوجود شراً إلا وفي طياته خير مطمور ، حتى لو أنه تم حجب ذلك الشر .. لبَطُلَ الخير الذي في ضمنه و فسد ، و بذلك يحصل ببطلانه شر أعظم من الشر الذي يتضمنه ، فاليد المتآكلة يعد قطعها شراً ظاهرياً لكن في ضمنه الخير الجزيل.. وهو سلامة البدن؛ فلو تُرِكَ قطع اليد إشفاقاً .. لحصل هلاك للبدن بأكمله؛ و لكان الشر أعظم. لذا فقطع اليد لأجل سلامة البدن شر في ضمنه الخير، ولكن المراد الأول السابق إلى نظر القاطع هو السلامة التي هي خيرٌ مَحض ، ثم لما كان السبيل إليه قطع اليد .. قصد قطع اليد لأجله.
فكانت السلامة مطلوبة لذاتها أولاً ، فصار القطع مطلوباً لغيره ثانيا ، فهو ليس مطلوباً لذاته، فهما داخلان تحت الإرادة ولكن أحدهما المراد لذاته و الآخر مراد لغيره ، والمراد لذاته مفضل عن المراد لغيره أو لأجله.
– قال تعالى في الحديث القدسي :
” سبقت رحمتي غضبي “
فغضبه سبحانه هو إرادته للشر الظاهري و الشر بإرادته، و رحمته إرادته للخير ، و الخير بإرادته، ولكنه أراد سبحانه الخير للخير نفسه ،و أراد الشر لا لذاته، ولكن لما في ضمنه من الخير.
فالخير مُقْضَى بالذات ، و الشر مقضى بالعرض و كلاً بقدر ؛ و ليس في الحالين ما ينافي الرحمة أصلا .
فإن خَطُرَ لك نوع من الشر لا ترى تحته خيراً ، أو خطر لك أنه كان تحصيل ذلك الخير ممكنا لا في ضمن الشر ؛ فأتهم عقلك القاصر في أحد الخاطرين .
أما في قولك:( ان هذا الشر لا خير تحته) ..فإن هذا مما تقصر العقول عن معرفته ، ولعلك فيه مثل الصبي الذي يرى الحجامة شراً محضاً ، أو مثل الغبي الذي يرى القتل قصاصاً شراً محضا لأنه ينظر الى خصوص شخص المقتول أنه وقع بحقه شر محض ، ويغفل عن الخير العام الحاصل للناس كافة ، فلا يدري أن التواصل بالشر الخاص إلى الخير العام يعد خيرا محضا لا ينبغي للخبير أن يهمله أو يتغافل عنه.
ثم أتهم عقلك في الخاطر الثاني، وهو قولك (أن تحصيل ذلك الخير لا في ضمن ذلك الشر كان متاحاً ممكناً )..فإن هذا أيضاً أمر دقيق غامض ،فليس كل محال أو ممكن مما يدرك استحالته وإمكانه بالبديهه ولا بالنظر القريب ، بل ربما عُرِّفَ ذلك بنظر غامض دقيق يقصر عنه الأكثرون.
فأتهم عقلك في هذين الطريقين ،لا تشُكَنَ أصلاً في أن الله هو أرحم الراحمين ، وأنه سبقت رحمته غضبه ،ولا تستريبن في أن مريد الشر للشر لا للخير غير مستحق لأسم الرحمة ، وتحت كشف الغطاء عن هذا يبزغ سر القدر الذي منع الشرع إفشائه ، فأقنع أيها المؤمن بالإيماء، ولا تطمع في الإفشاء ، فلقد نُبِهْتَ بالرمز والإشارة .. فتأمل.
“لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي”
.. و هذا حكم الأكثرين.
فأما أنت أيها الأخ المقصود بالشرح.. فلا أظنك إلا مستبصراً بسر الله عز وجل في القدر ، مستغنياً عن هذه التلويحات و التنبيهات.
Categories: تثقيف عمالى, ثقافة و فنون