بقلم / محمد فضل فتح الباب*
​
فور سماعك لهذا المصطلح ، سوف يتبادر إلى ذهنك أن ذلك المستقيل قد تقدم باستقالته إلى مؤسسته ثم غادر بهدوء! ؛ و لكن الحقيقة أنه لم يتقدم باستقالته فعلياً ، فهو باق في مؤسسته لم يرحل عنها؛ بل و يتقاضى راتبه الشهري من أموالها، و حاضر بجسده داخلها ، لكنه غائبٌ عنها نفسيًا، فلا يؤدي إلا الحد الأدنى من مسؤولياته الوظيفية، ولا ينجز إلا مهامه الأساسية فقط. تراه و هو كأنه يعمل .. لكنه عمل بلا همةٍ ولا نشاط ولا حماس، فلا يحضر مبكرًا إلى عمله بل يحضر متكدراً ، ويغادر فور انتهاء مواعيد العمل الرسمية بل و قبلها لو أستطاع، لا يحضر أي إجتماع إلا إذا تم التنبيه عليه بالحضور ، وإن حضر يجلس صامتًا، ولا يتحدث إلا إذا طُلب منه، يتجنب حضور المناسبات الاجتماعية، ويحصل على إجازات مرضية أطول من المعتاد، ولا يرد على أي مكالمات أو استفسارات تصله عقب انتهاء مواعيد العمل.
لقد ظهر هذا المفهوم و أنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عام 2020م، الأمر الذي دفع بعض الباحثين للقيام بمسح ميداني على العاملين بعدد من المنشآت؛ وعلى الرغم من أن ظهور هذا المصطلح للنور كان في عام 2020م، إلا أنه يعتبر ظاهرة قديمة جدًا، و هي تعد أحد أهم صور “الإستياء الوظيفي” ، و يلجأ إليها الأفراد عند رغبتهم في ترك وظائفهم الحالية والبحث عن أخرى، أو عندما لا تتوافر لديهم فرص للنمو و الترقي الوظيفي بسب ندرة الترقيات أو انعدامها لفترات طويلة ، أو بسبب تدني الرواتب ،وقطع المنح و المزايا العينية من رعاية طبية و غيرها؛ و كذلك في حالة زيادة أعباء العمل عليهم فى بعض التوقيتات ، أو قد يكون بسبب عجزهم عن التوفيق ما بين حياتهم الشخصية والعملية لأسباب إقتصادية مثل تدني القدرة الشرائية للجنيه وما يحدث بالأسواق الخارجية فيتزايد التأثير السلبي على احتياجات كل العاملين.

و يدعونا هذا الحال إلى التساؤل عن موقف أصحاب الأعمال و المديرين، و ردة فعلهم تجاه المستقيلين بهدوء : هل يصمتون على سلوكهم أم يحاولون إعادة دمجهم نفسيًا في العمل، أم يتخذون ردة فعل عنيفة حيالهم؟
في الحقيقة، هنالك بعض المديرين قد يتسامحون مع هذه الظاهرة؛ لصعوبة استبدال المستقيل الهادئ، أو أملًا في تبدل الحال وتغير الوضع مع الوقت ؛ بينما لا يفضل البعض الآخر الوقوف مكتوفي الأيدي أمام تلك الظاهرة، يتصدون لها بكل حزم، حيث قد يتخذ قرارًا حاسما تجاه المستقيل المتخفي ربما يصل لفصله ، أو ربما يلجأ إلى ما يعرف بأسلوب “الفصل الهادئ quite firing” ، إذ يبدأ في التضييق على المستقيل الهادئ بحرمانه من بعض فرص التدريب والتنمية والعلاوات والحوافز المالية ، فيجعل عمله غير مجديًا بالنسبة له، وهو ما قد يدعوه إلى الاستقالة الفعلية وترك المؤسسة.

نقول إن هذه الظاهرة وإن كانت خفية إلا أنه يمكن الاستدلال عليها بكل سهولة من سلوكيات أفرادها، وإذا ما تحققت إدارة المؤسسة من وجودها، فلا يجب عليها الصمت تجاهها، وإنما ينبغي التدخل للحيلولة دون تفاقمها، وذلك بتقدير العاملين وتقديم أجور ومرتبات عادلة لهم، والحرص على الإستماع إليهم والتعرف على آرائهم وأفكارهم و مقترحاتهم ثم تهيئة الظروف المناسبة لهم؛ لأن المؤسسة التي تفتقد عدد كبير من العاملين بها بسبب هذه النوعية من العاملين والتي تمثل عبئاً على المنشأة تنحدر رويداً رويداً.. و لكي يتم معالجة هذه الظاهرة يتوجب على الجميع أن يغير أوضاعه و يبدل سلوكياته ، و كذلك على الإدارة العليا أن تراعي احتياجات العاملين الأساسية لكي تزيد من تحفيز و اهتمام العاملين تجاه العمل وما يتم إنجازه خلال أوقات العمل؛ لكى يشعر الموظف بقيمة الوقت كعنصر أساسي؛ و لكى نعالج هذه الظاهرة لابد من تيسيير التواصل بين الإدارة والموظفين وتحفيزهم بالإضافة لتوفير فرص تدريب وتعليم مستمرة ؛ مع تقدير الأفكار الجيدة وتعزيز الفخر والولاء و الإنتماء للكيان ذاته وليس لأشخاص؛ لأن الإنتماء للكيان يزيد من همتك كعنصر فعال داخل منظومة العمل مما يوفر جو مناسب يدعم الصداقات وينمى روح الفريق.
فالأمل فى الله ممدود مادامت روح الله فينا، فهو سبحانه قد خلقنا وخلق لنا الدنيا مسخرةً لنا؛ كل ما علينا أن نتوكل عليه حق التوكل؛ فسعيك فوق الأرض مكتوب لك أو عليك فتحرى ما تسعى إليه لكى يتحقق ما ترنو إليه.

لذا فالتحية واجبة لكل من يبث فينا روح الأمل والعمل ويعتني ببناء شخصية الإنسان داخل منظومة العمل؛ فهي من الأمور المهمة التي تساعد على تطوير وتغيير السلوكيات للأفضل. فالشخصية هي الوعاء الذي يجمع الصفات والخصائص التي تميز الإنسان عن غيره، ويمكننا تحسينها وتطويرها عن طريق التعلم والتدريب.

تبدأ عملية بناء الشخصية داخل منظومة العمل بتحديد الأهداف المراد تحقيقها من خلال العمل، ومن ثم تحديد الخطوات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف. ويتطلب ذلك العمل بشكل مستمر على تحسين المهارات والقدرات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.

ومن أهم الأدوات التي يمكن استخدامها في بناء الشخصية داخل منظومة العمل هي:

1. التدريب والتعلم المستمر : يمكن للفرد تحسين مهاراته وقدراته من خلال المشاركة في دورات تدريبية و ورش عمل تساعده على اكتساب المهارات اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة.

2. العمل الجماعي : يساعد العمل الجماعي في بناء الشخصية وتطوير السلوكيات الإيجابية
وفى النهاية؛ أرجو أن نكون قد قدمنا روشتة علاج للاستقاله الهادئة، و و إتاحة السبيل لزيادة القدرة لدى الجميع لكي يكون عنصراً فعالاً فى الأداء الوظيفي.
.. وعلى الله قصد السبيل،،

* مدير إدارة بالإدارة العامة لشئون الطلاب ( إداره التجنيد).
* نائب رئيس اللجنة النقابية & سكرتير التثقيف باللجنة النقابية.