فلتكن ميكانو .. !
بقلم : محمد الصيرفى
فلتكن ميكانو .. !
إن بني البشر يتمايزون و يختلفون في أساليب تعاطيهم مع مكونات واقعهم و مفردات أزمانهم و كذلك مع عناصر قدراتهم و مَلكَاتهم ، فأغلبية البشر يتخذون من الإنضباط التام قاعدة لحياتهم لا مناص لهم عنها ، فتمسى حياتهم أشبه بلعبة : البازل ! ، حيث يضعون كل قطعة بموضوعها المرسوم سلفاً فوق المستطيل الكرتوني ، ثم يشعرون بالرضا حينما تترابط القطع وتكتمل مسيرتهم وفق التعليمات المسبقة ، و أولئك عادةً يسودهم اليقين و الرضاء تجاه الحتمية المكانية و الوظيفية لكل قطعة أو عنصر من عناصر عالمهم ، لذا يتخذون موقف المستسلم حيال خديعة الإعتياد و الالفة مع هذا النمط الراكد للحياة .. فلا يدركون أن ذلك الإنضباط و الإعتياد هو أحد أوجه الموات ، و ربما تفنى أعمارهم قبل أن يكتشفوا ما أنطوت عليه تلك اللعبة من ضلالٍ و قهر.
أما الندرة من البشر فهم الذين يتعاملون مع مفردات الحياة كما يتعامل الطفل النابغ مع لعبة : الميكانو .. حيث ثمة قطع مختلفة الأشكال والأحجام والوظائف و يمكن توصيلها ببعضها البعض من أكثر من موضع و إتجاه ، وهذه التوصيلات المبتكره تنتهي لمنجزٍ واحد ضمن منجزات لا نهائية يمكن بناؤها كل مرة بتفعيل ثنائية الحذف والإضافة .. ، أولئك من يسعون للفرار من أسر محدودية الحياة ، فيدربون حواسهم على التخيل اليقظ و ينتقلون من مستوى التلقي إلى فعل الإكتشاف و تحدي السائد .. يحطمون قيود الإضطرار و الإحتياج ، فيستغنون عما يتهافت عليه الناس و ينعتقون من الدوران القسري في فلك الإزدواجية التي تفرضها علينا تناقضات هذا العالم.
فإذا كانت حياتك تسير وفق وتيرة يملؤها الملل أو عدم التحقق ، و كنت لم تزل تحلم بتعديل مسارها وطرد السأم منها فما عليك سوى تفكيك عالمك الخاص لعناصره الأولية ثم القيام بإعادة تركيبها ولكن وفق منهاج مغاير و مبتكر.
و قبل ذلك ، عليك بالإنصات لخفق الروح التي ترف بداخل تجاويف نفسك و التعرف على عالمها الشفيف و المنير .. و لسوف تنفذ نفسك عبر كوى الروح إلى آفاقٍ رحيبة ، لحظتذاك ، ستتمكن من توليد الدلالات الجديدة و الغايات البعيدة من عناصر حياتك مهما بدّت مرتبكة أو بدا التوقيت متأخراً
و عندها ستتمكن ذاتك من رؤية العالم على نحو خاص بها وحدها .. لتحدد موقعها منه عساها حينذاك أن تبدد عماء الكون و صمته الجاثم.
Categories: أعمدة الرأى
Sorry, comments are closed for this item.