طلب العلم ثقافة
طلب العلم ثقافة
بقلم : محمد محمد فضل فتح الباب
طلب العلم ثقافة لاتنتهى، والثقافة العامة لها أكبر الأثر في بناء الشخصية، فهي التي تصل الإنسان بماضيه وحاضره ومستقبله، وهي التي تقدم له مفاتيح المعارف والعلوم، وتفتح مغاليق ذهنه على كنوز الخبرات والتجارب، وتصقل نفسيته ومواهبه ومهاراته، فالثقافة ركن هام وأساسي من أركان بناء الشخصية، بل هي حجر الزاوية في تكوينها ونمائها. ومادة «ثقف» في اللغة العربية تفيد الحذق والفهم وسرعة التعلم، وأصلها يفيد الصقل والتهذيب والتقويم. والثقاف حديدة تكون مع القواس والرماح يقوّم بها الشيء المعوج, أو هي خشبة تسوى بها الرماح. فالثقافة – كما رأينا – في اللغة تدور حول الإتقان والفهم والتقويم والتهذيب، وهي كذلك في المجالات الأخرى.
فالثقافة – بشيء من التفصيل – مجموعة مكتسبة من الخصائص والصفات تحدد للإنسان نوعاً متميزاً من السلوك يقوم على مجموعة من القيم والمثل والمفهومات يؤثرها ويتمسك بها ويحرص عليها, وهذه الخصائص والصفات تتوافر لديه على مر العصور والأجيال، نتيجة لتطور عضوي يتلاءم به مع بيئته, ونتيجة لتطور عقلي يكسبه من المهارات الذهنية واليدوية ما يحقق له التفوق والامتياز, ونتيجة لتطور وجداني يحمله على الانفعال بما في الحياة من قبح أو جمال وما فيها من باطل أو حق, ونتيجة لتطور نفسي يقوي شعوره بالقيم ويزيد من قدرته على التمييز بين ما هو شر وما هو خير وما هو خطأ وما هو صواب, ونتيجة لتطور اجتماعي يربطه بسواه في وحدات تتفاوت وتتخذ شكل الأسرة أو القبيلة أو الوطن أو الأمة أو الجنس البشري كله.
وقد تناول المهتمون بتعريف المثقف هذا الجانب من زاويتين: زاوية العلوم وزاوية الأخلاق.
فولسون مثلاً ذكر شروطاً أربعة لتعريف المثقف وهي:
أولاً: أن يعرف تاريخ العالم منذ بداية الكون فنشأة الحضارة إلى الآن.
ثانياً: أن يعرف تاريخ الأفكار السائدة التي يسير عصرنا على مبادئها.
ثالثاً: أن يعرف علماً من العلوم التجريبية الحديثة.
رابعاً: أن يعرف لغة ما, وخير اللغات التي يعرفها هي لغته التي نشأ عليها.
أما بنانا ثيناكوس فقد استثنى الفنون والعلومالاختصاص في تعريفه للمثقفين وأجمل صفاتهم فيما يلي:
أولاً: الذين يجيدون تدبر الظروف التي يواجهونها يوماً بيوم, ويكونون حكماً دقيقاً لمعالجة الفرص عند نشوئها, ومن النادر أن يخفقوا في اتخاذ الوجهة الملائمة لسير العمل.
ثانياً: أولئك الذين يتحلون بالتهذيب والحشمة والاحترام في اختلاطهم بجميع من يعاشرون, فيتسامحون دون مشقة وبروح ودية إزاء ما يكدرهم, أو يهينهم لدى الآخرين, ويظهرون في شخصياتهم على أكبر مقدار ممكن من الانسجام حيال أقرانهم.
ثالثاً: أولئك الذين يتمكنون من السيطرة دائماً على ملذاتهم ولا يدعون المحن التي تحل بهم تنال منهم, بل يتحملونها بشجاعة وبتلك الروح الجديرة بطبيعتنا المشتركة،
وفي المرتبة الرابعة وهي أهم المراتب جميعاً يقف أولئك الذين لم يفسدهم النجاح الذي أحرزوه ولم يتخلوا عن ذواتهم ويصبحوا متغطرسين بل احتفظوا بثباتهم وما برحوا أمناء لموقف رجال أذكياء يتهللون للأشياء الصالحة التي جاءتهم محض المصادفة بدلاً من تهليلهم لتلك الأشياء التي كسبوها بطبيعتهم وذكائهم منذ ولادتهم.
وتتمثل مصادر الثقافة المقروءة – كما هو معلوم – في الجريدة والمجلة والكتاب،
فالجريدة مع أنها أقل هذه الأنواع عمقاً ثقافياً وبعداً فكرياً إلا أنها قد تكون أكثر خطورة وتأثيراً من سواها لقوة الإيحاء الذي تحدثه بالتكرار، لأنها يومية الصدور وموجهة لجميع الطبقات
اما المجلة فهي بحكم كبر حجمها واتساع فترة إعدادها «أسبوعية أو شهرية أو أكثر أو أقل»؛ أكثر زاداً ثقافياً وعطاء فكرياً من الجريدة.
وما سميت المجلة بهذا الاسم إلا لجلال ما يفترض أن تقدمه للقارئ من مقالات وموضوعات وأفكار وقضايا، فهي من الروافد الثقافية المهمة التي لا يستغني عنها ناشد المعرفة. وهناك مجلات متنوعة عامة ومجلات متخصصة كمثال اعجبنى جدا مجله الثقافه العماليه واثرها فى دعم الثقافه يستطيع القارئ أن يطلع على ما يروي ظمأه من أمهات هذه المجلات ذات المستوى الثقافي الرصين واتساع المعلومات فى تنوع متزن يرنوا الى توطيد اثر الثقافات وربط الماضى بالحاضر للنهوض بالمستقبل المشرق للمؤسسه الثقافيه العماليه وزياده اثرها فى هذا المجال .
أما الكتاب فهو القطب الذي تدور عليه الثقافة والمعين الذي لا ينضب منها والمنهل الذي لا يجف، وفي وصف الجاحظ الشهير للكتاب ما يشير إلى أهيمته, ومن ذلك قوله:
الكتاب نعم الجليس والعمدة ونعم المشتغل والحرفة.. والكتاب وعاء مليء علماً وظرف حشي ظرفاً.. يجمع من السير العجيبة والعلوم الغريبة وآثار العقول الصحيحة ومحمود الأذهان اللطيفة فحق لطالب الثقافة أن يجعل جل فراغه وقفاً على الكتاب. على أن القراءة النافعة هي تلك التي تقوم على التدبر والفهم والتعليق والشرح والتلخيص والتقويم, وبخاصة فيما يتعلق بالكتب المهمة الدسمة, فرب قراءة صفحة منها على هذا النحو أجدى من قراءة عشرات الصفحات بلا تفكر أو تدبر. ومن الكتاب من لا يسمي الطريقة الفعالة للاستفادة من الكتاب قراءة؛ وإنما يسميها دراسة, فيقرأ الدارس بالقلم يعلق هنا ويشرح هناك على الهوامش، وخير من هذا أن يكتب ملخصات في كراسة عن كل كتاب قرأه يعين درجة انتفاعه به. والطالب الذي يحقق ويدقق يجب أن يقتني هذه الكراسة، كما يجب عليه أن يحتفظ بكراسة أخرى يقيس أو يعين فيها مراحل رقيه الذهني، فالكراسة الأولى تختص بتقدير الكتاب، أما الثانية فبتقدير رقيه الشخصي والذهني, وفي الكراسة الأولى يفضل وضع خط تحت المقاطع الرئيسة وترقيمها في الهامش وتصنيفها في فهرس خاص حسب الموضوعات على غلاف الكتاب ليسهل الرجوع إليها وقت الحاجة أو يسجل على ورقة أرقام الصفحات التي يبرز فيها ما يهم من المقاطع للاستفادة منها فيما بعد
Categories: أعمدة الرأى, ثقافة و فنون