هل بيتك الداخلى خرب أم عامر؟
كتب : محمد محمد فضل فتح الباب
ورد لفظ القلب ومشتقاته قرابه مائة وخمسين مرة بالقرآن الكريم، كما ورد فى أحاديث النبى قرابه أربعمائة مرة، وهو مكمن الطاقة فى الجسد، والجسد تحركه طاقتان : (الروح) و(النفس) والعقل فهو الحكم بينهما.
منذ اللحظة الأولى للتزاوج وهبوط النطفة في رحم الأم، تهبط فيها (نفحة الروح الالهية)، وهي نور متفرع من النور الألهي المطلق الذي يسير الكون. والروح هي طاقة الحياة والانسجام والتوازن، أي طاقة (الخير والجمال)، ويمكن أن نسميها بـ (الوجدان والضمير)، وحول (نفحة الروح) هذه يتشكل بدن الجنين.
والقلب هو مقر الروح، لآنه (نبض الحياة) وأول الأعضاء في الخلق. وقد ذكرت في القرآن الكريم مرات عدة، منها: ((قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)) كذلك: ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)).
الروح:
هي التي تمنح (طاقة الحياة والنمو ووعي الذات والكون) لهذا هي متساوية في جميع البشر. لكن الاختلاف بين الناس يكمن في (النفوس) ومدى تأثيرها على دور (الأرواح) كذلك فإن (نفحة الروح) هي ذاتها موجودة في جميع الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، لكن الفرق يكمن خصوصا في مدى سيطرة (الغريزة البدنية) و(الوظائف التلقائية) التي تحد من دور الارواح في هذه الكائنات.
ان (الروح) هي التي تقود الانسان نحو الخيارات الصحيحة، أي ما نسمية بـ(الحدس)، أي (صوت الروح). وعندما لا ننصت إليه، فلأن صوت(النفس المزاجية) اقوى. فما هي هذه (النفس)؟
النفس:
مرتبطة بجسم الانسان وتنمو معه. وهي تنشأ اولاً من غرائز الجسم الطبيعية مثل الجوع والجنس وغيرها، ثم تتطور مع حياة الانسان منذ تكونه في بطن أمه وما يتلقاه منها من مشاعر، ثم ما يعيشه في حياته من تجارب ومؤثرات وصدمات وانفعالات. وتنشأ (النفس) خصوصا مع نشوء أجهزة الهضم والتناسل وتستقر فيهما، لانهما أساس ارتباط الانسان بالوجود والحياة المادية الواقعية.
وإذا كانت (الروح) هي (نتاج السماء والنور الإلهي) فان (النفس) نتاج الارض والواقع المادي، بكل تعقيداته ومصاعبه وكفاحه. فالنفس هي: (طاقة الأمزجة والعواطف والشهوات، طاقة الكفاح والمنافسة والاستحواذ)، لهذا قال عنها القرآن الكريم: ((إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ))، لانها هي وليست (الروح الالهية)، مسؤولة عن الخطايا، (النفس) تنتهي بالموت ونهاية الجسم، بينما (الروح) تظل خالده.
العقل:
ليس هو الحاكم والمقرر، كما يتخيل البعض. بل هو مجرد منسق ومنفذ لإرادتي (الروح) و(النفس)! .. كيف؟
إن الدماغ (مقر العقل)، اشبه بالقيادة العليا التي فيها (البرلمان) و(الحكومة). حيث يجتمع ممثلي (الروح) و(النفس)، في كل مرة، وقد يتفقان وقد يختلفان، وبعد المداولات وحسب تأثير وحجج كل منهما، يتخذ (العقل) القرار ويخطط لتنفيذه.
مثال: صاحب شركة، نفسه البخيلة والاستحواذية توسوس له بتخفيض اجور العمال. ولكن روحه(ضميره) يعترض ويحاجج النفس على ان هذه خطيئة مؤذية. فمن يغلب؟ إذا كانت (النفس) متطرفة الاستحواذية والانانية فان حماستها وحاجتها ستتغلب في (البرلمان العقلي)، على (الروح) التي بطبعها مسالمة ووديعة. حينها سيضطر (العقل) الى تبني مقترح (النفس) ويبدأ بتفسيره وتبريره وايجاد الحجج لدعمه ثم التخطيط لتنفيذه. أما إذا كانت (النفس) قليلة الاستحواذية والانانية فانها ستكون مترددة وتعجز عن التغلب على (الروح ـ الضمير)، وبالتالي فان (برلمان العقل) سيتبنى (عدالة الروح) فيقرر ترك أو تأجيل موضوع معين هكذا يمكن رؤية جميع سلوكيات الانسان مهما كانت صغيرة او كبيرة.
في كل لحظة هنالك مداولات في (القيادة العقلية) بين (ممثلي الروح) و(ممثلي النفس). وقد يحدث أحياناً كثيرة أن تتفق (الروح) و(النفس) في الرغبة، مثلا في حالة رعاية الأم لابنائها، والصداقة الحقة، وغيرها الكثير من السلوكيات التي بفضلها تبقى الحياة ويستمر الخير والابداع والجمال.
لهذا فأن مفهوم (الروحانية) يعني:
بذل الجهد من خلال التأمل والصلوات وباقي التمارين، من أجل تهذيب (النفس) وتخفيف انفعالاتها ورغباتها السلبية (المؤذية للذات وللآخرين) وأذواقها القبيحة، وجعلها تسمو الى مستوى (الروح الإلهية المصدر) وتنسجم معها، ليبلغ الانسان أرقى مستويات الضمير(محبة الذات والبشرية جمعاء)، وتذوق الجمال والابداع.
إذن يصح القول، أن الإنسان السعيد حقاً، ليس من يتبع أهواء (النفس) ويجمع الثروة والشهرة والسلطان، بل الذي يتبع (نداء الروح) ويحقق الانسجام والتوافق بين (الروح) و(النفس). وهم عموما الأشخاص الذين تغلب على شخصيتهم الطيبة والانسانية وأحاسيس الرقة والجمال.
Categories: أعمدة الرأى