قصة قصيرة بقلم : طارق أحمد مصطفي 

دخلا مسرعين إلى مكتب الضابط، كل منهما متحفزٌ مغتاظ، ها قد تعكر اليوم، وتعطلت المصالح، وتشوهت السيارة، كل منهما يرى أنه صاحب الحق وأن الآخر هو المخطئ، ينظر كل منهما للآخر باحتقار لأنه يماطل فى الاعتراف بالخطأ، ولكنهما لم يوجها حديثاً لبعضهما البعض، فقد اكتفيا مما دار بينهما فى الخارج، وعلق كل منهما أمله على أن الشرطة ستنصفه، أو على الأقل ستعكر صفو خصمه الحقير، جلساً يزفران وينظر كل منهما فى ساعته، ويجيبان على الاتصالات المطمئنة، يحكيان الحكاية من أولها لكل من يتصل، وكلما مر الوقت شعرا أكثر بالملل، جلسا يطرقان بأحذيتهما على الأرض، يلقيان رأسيهما إلى الوراء، ملامسين الحائط المتسخ بالحبر، يتبادلان القيام والتجول جيئة وذهاباً فى المساحة الضيقة بالغرفة، يجهز كل منهما فى رأسه ما سيقوله للضابط:

– ماشى فى سكتى ولقيته خارج فجأة من شارع جانبى
– داخل على الملف بسرعة
– كسر عليا متعمد
– عايز يسبقنى وهو جاى من على يمينى
– ما اداش إشارة وهو بيلف
– حك لى الرفرف
– نقر لى الفانوس الورانى
– الإكصدام طلع من مكانه
– ماحدش يدخل كده على الإشارة
– المعاينة حتثبت لك

ظل كل منهما هكذا يهرى وينكت مع نفسه، ويستعرض تعبيرات غضبه وضيقه أمام الآخر، وربما يتحدث فى الموبايل بصوت عال، يستدعى أشخاصاً مجهولين، ليثبت للآخر أنه ليس وحده.

فجأة، دخل الضابط مسرعاً، ومن وراءه الأمين، لم ينظر نحوهما، وقف كلاهما مسرعاً محاولاً الوصول أسرع من الآخر إلى حافة مكتب الضابط الذي ينشغل بالحديث فى الموبايل، وأصوات تنبعث من اللاسلكى فى يد الأمين توحى بأمور عاجلة.

يضع الضابط الموبايل ويفتح زجاجة مياة وضعها على التكييف يتجرع منها على عجل، ويمسك بأوراق محاضر يوقع عليها دون أن ينظر فى شىء، ويخرج سلسلة مفاتيحه ويفتح الخزينة ويخرج ختم النسر ويبحث عن الختامة فلا يجدها، فيرسل الأمين ليأتى له بختامة من مكتب آخر، يدس الختم بالختامة ثم يلطعها على الأوراق، ورقة ورقة، ثم ينادى شخصاً يدعى “برامونى” يعطيه الأوراق ويطلب منه أن يسبقه بها للنيابة وهو سيلحق به فوراً، يفتح درج مكتبه ويخرج شيئاً يضعه بجيبه، ثم يعيد فتح الدرج مرة أخرى ويخرج سندوتش صغير يقضم منه قضمة كبيرة ويظل ممسكاً به بيده.

هم أحدهما بالحديث للضابط قبل أن يخرج مرة أخرى، تدخل الآخر فى الحوار وحاول التشويش أو التصحيح لما يقوله الآخر، والضابط ينظر نحوهما فى استغراب وكأنهما يتكلمان لغة أخرى لا يعلمها، ولا زال فمه يذهب ويجيء باللقمة التى قضمها من السندوتش، لم يرد عليهما، ولكنه سأل الأمين: مالهم دول ؟!

– خناقة على أولوية المرور

هز الضابط رأسه متفهماً وهو يخرج من الغرفة وهم وراءه، رافعاً السندوتش نحو فمه لينهس قطعة أخرى، ثم أشار لهما ناحية أمين آخر مسن ويبدو عليه المرض يقف خلف كاونتر الاستقبال قائلاً: عند الأمين شحاتة.