لطائف بلاغية
بقلم : أ. د/ احمد فتحي الحياني
من أساليب التوكيد في البلاغة العربية ممَّا ذكره بعض المفسرين والبلاغيين هو :
أسلوب التوكيد ب : ( تأكيدُ الشيءِ بنفي ضِدِّهِ ) .
وقد ورد في القرآن الكريم بنظوم مختلفة محقِّقَةً قِيمًا بلاغية متعدِّدة تُفهم من السياق الذي ترد فيه .
من ذلك مثلا : قولُه — تعالى — :
” وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَاهَدَى ” طه/٧٩ .
فقد أكَّد نفي الضد : ( وماهدى ) ، قوله ” (وأضل ) فرعونُ قومَه ) ، لأنّ الهدى المنفي هو ضد الضلال ، فأفاد التوكيد .
وضلالُ فرعونَ وإضلالُه لقومه كان من استكباره على الله – سبحانه – ورسوله موسى – عليه السلام – ، وطغيانه واستبداده ومصادرته لحريَّات القوم وإراداتهم بسبب : (جهله المركّب ) ، فأضلَّ قومَه بسبب استضعافهم وطاعتهم له فأوقعهم في سوء العاقبة ، وهي الغرق في البحر .
ونفي الضد هنا فيه إيحاء بمعنى ال( تهكم ) من فرعون والسخرية ، وهو ناشئ من التلميح إلى قوله الذي ادَّعى فيه من قبل هداية قومه الوارد في موضع آخر : “… قَالَ فِرعَونُ مَاأُرِيكُمْ إِلاَّ مَاأَرَى وَمَاأَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ” غافر/٢٩ .
فجاء هذا الأسلوب بنظمه مؤكِّدًا إضلالَه بنفي ضده مع التهكم به ومن استبداده وجهله المركَّب .
والآية تقدِّم درسًا بليغا للأمة في إصلاح أمورهم على العموم بالتناصح فيما بينهم ، وبالإحسان والحكمة والموعظة الحسنة التي تجمعهم على مصلحة الأمة جميعا ، فتسد الباب أمام من يريد استخفافهم واستضعافهم ومصادرتهم بالقوة ، ومِنْ ثَمَّ يجرُّونهم إلى العواقب الوخيمة .
Categories: الإعجاز فى القرأن و السنة