لهذه الأسباب لم يعجبني فيلم الممر
بقلم: طارق أحمد مصطفى
لم أذهب لمشاهدة فيلم الممر بالسينما، رغم ردود الفعل الإيجابية التي قرأتها وسمعتها عن الفيلم من أشخاص كثيرين من ضمنهم أولادي، في وسط زخم وطني كبير يؤكد أننا نحتاج لمثل هذا النوع من الأفلام لاستعراض بطولات قواتنا المسلحة وتنمية الحس الوطني عند الأجيال الجديدة. ظللت أضع الفيلم على قائمة مشاهداتي لحين تيسر الظروف للذهاب للسينما، ولكن الظروف لم تتيسر، حتى تفتق ذهن بعض المزايدين فى الوطنية أن يحشدوا الناس حشداً لمشاهدة الفيلم، وهذا جعلني أفقد رغبتي في مشاهدة الفيلم سينمائياً، وقلت حسبي بالمشاهدة التليفزيونية والتي توقعت أن تكون قريبة جداً. وشعرت أن هذا النوع من الدعاية سوف يحول الفيلم من عمل سينمائي رفيع المستوى يضاف للمكتبة السينمائية ويرفع سقف توقعات المشاهد المصري إلى مجرد فيلم دعائي مدفوع الأجر لتوجيه رسائل سياسية، وهذا في الحقيقة ليس غرضاً من أغراض السينما الجادة التي تجذب جمهور الفن السينمائي أياً كانت جنسيتهم أو ديانتهم أو انتماءاتهم.
ولنأخذ السينما الأمريكية على سبيل المثال، التي قدمت مجموعة من أروع الأفلام الحربية في العالم، واستطاعت أن تجذب المشاهدين من جميع أنحاء لعالم من خلال السيناريو المحكم والتمثيل المتقن والدراما القوية والتصوير المحترف، استطاعت ان تحبس أنفاسنا وتثير تعاطفنا مع الشخصيات وتجعلنا نصدق أننا نعيش داخل الحدث بالفعل، وهذا الأمر ليس فقط بسبب تقنيات الإخراج ولا جودة الخدع السينمائية، ولكنه بدرجة أكبر بسبب الأبعاد الإنسانية الأكثر رحابة التي تنقلنا إليها، وقبل ذلك للصدق الفني المتضمن داخل هذه الأفلام، صدق الكتابة وصدق التمثيل وصدق الرؤية البصرية.
وعندما عُرض فيلم الممر تليفزيونياً في احتفالات أكتوبر هذا العام، جلست أشاهد بتوقعات عالية سينمائياً، فأنا مبدئياً لا أحتاج إلى فيلم سينمائي جديد لزيادة اعتزازي بالانتصارات الوطنية الكبرى ولا بالقوات المسلحة التي قامت بهذه البطولات، ولا لكي يزيد حنقي على العدو المركزي للأمة وهو الصهيونية، ولكنني جلست كمحب للسينما لأشاهد فيلماً مصرياً قيل أنه يقترب فى جودته من السينما العالمية. لقد كان الأمر فيه نوع من الرغبة فى الاعتزاز الوطني من زاوية أخرى. لكن يؤسفني أن أقول أن هذا الفيلم رغم ما أنفق عليه من ملايين، ورغم من بُذل فيه من جهد واضح، لكنني لم أُحسه ولم يؤثر في وجدانياً.
كانت الصنعة ظاهرة فيه بشكل كبير طوال وقت المشاهدة، والتكلف غالب على أداء الممثلين، والنمطية والكلاشيهية مسيطرين على الموقف في الأداء والسيناريو وكادرات التصوير، وعدم المنطقية واضح في كثير من المواقف المكتوبة، وقفزات الأحداث مفاجئة وحادة وغير مبررة، والشخصيات متوقعة ومكررة وغير مبتكرة بالمرة، والرسائل والدلالات واضحة ومباشرة وخطابية.
ولأنني لم أحس الفيلم فنياً فقد ظللت طوال المشاهدة منفصلاً عنه شعورياً فتلك الشخصيات التي تتحرك أمامي على الشاشة هي الأحمدات عز ورزق وفلوكس وصلاح حسني وليسوا الضابط فلان والجندي فلان والمراسل فلان. ولعلمك عزيزي القارئ المتحمس للفيلم فإن مشاهد المعارك التي يمكن أن تكون قد أبهرتك لم تعد معضلة كبيرة فى الإخراج السينمائي حالياً، بل صارت أسهل ما يمكن بفضل تطور تقنيات الجرافيكس، وأغلب ما شاهدته على الشاشة يا عزيزي هو من الجرافيكس، وقد استدعى صناع الفيلم فريقاً أمريكياً متخصصاً فى تنفيذ مثل هذه المعارك لصنع هذه المشاهد ويبدو أن أجر هذا الفريق المتخصص هو ما رفع تكلفة الفيلم حتى وصلت إلى 100 مليون جنيه.
وأكثر سؤال ورد في ذهني أثناء المشاهدة: طالما أنهم سينفقون كل هذه النفقات فلماذا إذاً لم يستدعوا قصة من قصص البطولات الحقيقية لحرب الاستنزاف وما أكثرها بدلاً من اختلاق قصة مليئة بكل هذه الثغرات، والأحداث غير المنطقية، لماذا – استسهالاً – استدعوا الحبكة الشهيرة التي هرستها السينما عبر العصور والمأخوذة عن الفيلم الياباني الشهير “الساموراي السبعة” واقتبست بعدها عشرات المرات فى أفلام مثل الفيلم الأمريكي “العظماء السبعة” والمصري “شمس الزناتي” وغيرهم كثير. بينما لم يفتحوا كتابات المؤرخين العسكريين الحافلة بحكايات حقيقية واستدعوها بأسماءها وملابساتها وخطوطها الدرامية وحبكاته الحقيقية كما حدث من قبل في أفلام مثل “الطريق إلى إيلات”، والذي اعتبره أنجح وأصدق الأفلام الحربية المصرية حتى الآن.
ورغم ما قلت عن هذا الفيلم الذي توقعت منه الكثير فلم يقدم لى إلا قليل من هذا الكثير، إلا انني أحسب نفسي سأجلس لمشاهدته كلما أعيد عرضه، لا لشيئ سوى أنه يمنح المصريين أمثالي من أبناء الطبقة المتوسطة – وبقدر مقبول من الجودة – نوعاً من الفخر والاعتزاز بالنفس ونشوة الانتصار تعويضاً عن انكساراتنا وهزائمنا التي نتلقاها في حياتنا اليومية.
Categories: أدب ونقد, أعمدة الرأى