ميكروباص الأستروكس
بقلم : زغلول على
فى ذات مساء كنت عائداً إلى المنزل وركبت سيارة أجرة (ميكروباص) من نهاية شارع التحرير وصولا إلى الأهرام مروراً بمحور صفط والطريق الدائري.
ولا جديد ، كالعادة ، أكتمل العدد ثم نادى السائق على شاب صغير فى العشرين تقريباً من عمره وفتح له الباب الامامى والذى كان أغلقه مسبقاً من أجله.
و أفترض الركاب أنه ابن السائق أو من أصدقائه لذلك حجز له مكاناً بجواره ، لكن سرعان ما تكشفت الحقيقة حينما لاحظنا أنه حتى لا يعرف اسم ذلك الشاب.
والمهم هو ما حدث بعد ذلك التعارف المريب ، فذلك الشاب الجالس بجوار السائق أتكئ إلى الأمام و اختفى عن النظر لدقيقة تقريبا ثم ظهر مجدداً و هو يعطى للسائق سيجارة صغيرة – صنعها بنفسه – و بدأ السائق ينظر فى المرآة صوبنا ليستكشف هل يراه أحد أم لا، ثم أشعل سيجارته الصغيرة والتى لم تستغرق ثلاث أنفاس و انتهت !
ومر الأمر مرور الكرام، ثم أعتدل الشاب من جديد و أشعل سيجارته هو الآخر والتي أنتهت بدورها خلال وقتٍ قصير أيضاً ، ولكن سرعان ما بدأ هذا الشاب الجالس بجوار السائق بالضحك بصوت عال وبطريقة لفتت انتباه كل الركاب !
والحمد لله ففى ذاك الوقت ازدحم الطريق وخففت السيارة من سرعتها لتصبح ٢٠ كم/س ، وبعد لحظات رأينا ذلك الشاب يلقى برأسه على كتف السائق وكأنه غائبٌ عن الوعي ، وفى لحظة خاطفة أربكت الجميع وجدنا ذلك الشاب و كأنة قد أصيب بتشنج عصبي ، ثم ألقى بنفسه فى حركة بدت لاإرادية مستلقيا على ظهره فوق أيدى السائق فخرجت رأسه من النافذة المجاورة للسائق .. فأوقف العربة فى الحال ، وحمدنا الله أن الطريق لم يكن مسرعاً وإلا كنا انحرفنا عن مسارنا ، وفى محاولات فاشلة من السائق لثني هذا الشاب عن تصلبه ولكن دون جدوى ، فلقد أصبح جسد الشاب أشبه بقطعة خشبية مستقيمة ، وظلت حالة التشنج تزداد الى أن ألقى بنفسة من نافذة السيارة وسط ذهول الركاب والمارة ..! ، و بالطبع توقفت حركة السير تماماً ، بعد أن وقع الشاب و أرتطمت رأسه بالأرض ، ولكن الصدمة كانت خفيفة نسبياً لأن السائق كان يحاول حينذاك الإمساك به مما خفف من وطأة صدمة ارتطامه بالارض، و فجأة أعتدل ذلك الشاب واقفاً ليبدأ بالجرى خلف السيارات التى تكاد تمشى فيقفز على هذه السيارة ثم يركض إلى الأخرى ولا يستطيع حتى تمييز السيارة التى كان يركبها من غيرها .
وبسؤال أحد اصدقائى الصيادلة عن ما يمكن أن يكون قد وضع فى تلك السيجارة ، فأجابني بأنه الاستروكس .. لأنه يُذهب بالعقل ويجعل الشخص يفقد اتزانة و ربما يفعل شيئاً يؤذى نفسه .
والسؤال هنا .. إلى متى سيظل البعض من شبابنا يسعى وراء التجربة العمياء و حب الاستكشاف الاهوج ؟
فحب التقليد لدى بعض الشباب قد يكلفهم حياتهم، بل و قد يمتد الإيذاء لمن حولهم أيضا من أسرهم أو ذويهم ، هذا إلى جانب الألم الذى يخلفه داخلهم ، وعلى رؤية عينى أن أثنى عشر روحا -ركاب الميكروباص – قد انقذتهم العناية الآلهية من مصير مجهول لا يعلمه إلا الله (فله الحمد سبحانه ) .
و نسأل الله أن يحفظ شبابنا و وطننا .. آمين .
Categories: أعمدة الرأى