دائرة الفضائل و طوق الرذائل
بقلم : بسنت منجي
كم هم رائعون أولئك البشر .. كم هم مهمون و ضروريون و أساسيون في حياتنا، بل إنهم يضطلعون بدورٍ لا نظير له، فهم يبعثون فينا مارد الزهو من رقاده و الذي لايلبث أن يحقننا بجرعة ثقة مبالغ فيها ، تلك التي تجعلنا نرى أنفسنا بهذه الصورة البراقة فنعلوا بذاوتنا في خيلاءٍ .. و نعلو على الآخر في ترفع !
تُرى من هؤلاء ؟؟؟ وما يحملون من صفات تجعلنا نعتبرهم الأهم ؟
إنهم -و ياللعجب- أولئك الذين يحملون بعضاً من صفات القبح : الخسة ، الحقد، الحسد ،النميمة، التملق ، النفاق ،الكذب، الوصولية ،الخيانة..! ؛ أجل.. هم الأكثر أهمية.. أتعلم لماذا نقربهم ونتشبث بوجودهم في حياتنا؟ ؛ لأن كل إمرءٍ منا يتصيد فيهم تلك الصفة التي تتنزه عنها نفسه ولا تنحدر إلى مزالقها ذاته فيبرزها ويضخمها و يعظمها ويشير بسبابته صوب من يمارسونها بإستنكار و أنفه ، ليس بغرض النصح و النهي؛ بل ليس لشئٍ سوى تعظيم النفس بواسطة الحط من الآخر.
و بالقطع ، كل ذلك يعتمل داخل غياهب اللاوعي بهدف تخدير النفس عن نواقصها و التغاضي عن مجاهدتها إكتفاءً بما أرتقت إليه مقارنةً بالآخرين ، فهل يدرك ذلك المستدرج بتلك الخدعة أنه قد يكون هو الآخر في مرمى سهام بعض البشر الذين ينظرون الى نواقصه و يتندرون على زلاته؟
فأحذر الغفلة أيها المختال ؛ و أنتبه.. فأنت في ذات الموضع، بل إنك لا تكاد تمتاز عمن خضت فيهم و أبرزت سقطاتهم، فدائرة الفضائل لا تكتمل لإنسان و عثرات الرذائل لم ينج من طوقها كائناً من كان إلا من عصمه الرحمن ، انها فقط تباديل القدر و توافيق الأقدار ، فما عندك ليس عند غيرك و ما ينقصك قد يتوافر عنده.
و هنالك عاملاً آخر ، و هو العامل الأعظم و الأكثر حسماً ، و هو عاملٌ مغبون حق شكره حيث يتغافل عنه الناس إلا من رحم ربي؛ و هو ستر الله لك ليس لكونك الأفضل ، ولكن قد يكون ستر الله عيبك عن عيون البشر جزاءً لسترك لنواقص عباده ، فأنتبه ولا تفرح و أبحث عن كيفية زيادة رصيدك ليتم الله عليك ستره، انتبه لصغائر الأعمال فلربما تكون هي المنجيات، انتبه للفظ ، نظرة ، إماءه ، جبر خاطر ، مسك لسان، عفو عند المقدرة ، كظم غيظ ، استغفار، حمد، صدقه، إطعام الطعام حتى لغير البشر من الكائنات.
و في الختام..
إن نهى النفس عن الخوض و تربيتها على التواضع لله يكفل للمرء الطمأنينة التي تحقق سلام النفس و إتزان الحياة ؛ فأحذر أن تدفعك زلات الناس للزهو بنفسك، فما يدريك منْ يفتش عن سقطاتك لكي يزهو بنفسه! و إن غالبتك نفسك فأخفض رأسك ونكس أنفك فليس لك فضل في هذا فربك يمهلك ويسدل ستار ستره عليك؛ فأحمد ربك و أكبح جماح نفسك وأنشغل بها.
Categories: أعمدة الرأى, مقال اليوم