Menu

الخصخصة من جديد

بقلم: طارق أحمد مصطفى

الخصخصة من جديد

منذ أن طُرح مفهوم الخصخصة Privatization في أواسط الثمانينات وهو يثير الجدل، وخاصة بين الفئات والطبقات التى رأت فيه تهديداً لمصالحها، وخاصة الطبقة العاملة وتحديداً بشركات ووحدات القطاع العام، بينما احتفى به الرأسماليون والمستثمرون الذين اعتبروه فرصة استثمارية هائلة بالتخلص من المنافسين الكبار، بل والاستحواذ على أصولهم. ومنذ طرح هذا المفهوم وحتى اليوم ولازال تطبيقات هذا المفهوم تطرح من المشكلات والأزمات ما لا حصر لها.

وعملية الخصخصة، ليست مجرد مسألة فنية للانتقال من أسلوب لآخر من أساليب الإدارة الاقتصادية أو لإعادة هيكلة ملكية الأصول الإنتاجية ، ولكنها عملية سياسية إجتماعية معقدة. وهناك عدة مداخل لتحديد مفهومها ، منها أنها توسيع دائرة الملكية الخاصة، ومنح القطاع الخاص دور متزايد داخل الاقتصاد ، وذلك من خلال قيام الدولة بتصفية القطاع العام (كلياً أو جزئياً) أو عن طريق عقود الإيجار ومنح الامتيازات ، ولا يشير توسيع الملكية الخاصة إلى الخروج المفاجئ والمباشر للقطاع العام من النشاط الاقتصادى فقط وإنما يشير إلى انخفاض نصيب الدولة نسبياً وذلك بزيادة نصيب القطاع الخاص.

كما أنه يمكن فهمها على أنها وسيلة للتخلص من الوحدات الخاسرة فى القطاع العام، والتى بتحولها إلى القطاع الخاص ستحقق إنتاجية وربحية أعلى. وكانت بريطانيا واستراليا من الدول الرائدة التى طبقت هذا المفهوم رغبة منها فى انتشال الاقتصاد القومى من عثرته، وذلك بالتخلص من أنشطة الدولة الخاسرة، وردها إلى القطاع الخاص، أو تشجيعه للخوض فيها.

كما أن الخصخصة من زاوية أخرى تقوم على الرغبة فى التخلص من الاقتصاد الاشتراكى باعتبارها فلسفة اقتصادية واجتماعية بدأت تتقلص فى جميع أنحاء العالم وذلك فى نظير التحول نحو اقتصاد السوق ومواكبة النظام العالمى الجديد، أى أنها رغبة فى التحرر الاقتصادى، كم فعلت دول أوربا الشرقية عقب انهيار الاتحاد السوفيتى . بل أن الدول التى ظلت لفترة تتمسك بالنموذج الاشتراكى مثل الصين وكوبا بدأت بالفعل، وبصورة بطيئة وغير معلنة تتبنى هذا المفهوم.

ويرى أصحاب المدرسة الليبرالية الجديدة أن لعملية الخصخصة فوائد عديدة أهمها

تغيير حوافز الادخار والاستثمار، من خلال تشجيع نمو مشروعات الأعمال الخاصة والمنتجة منها ، وترسيخ آليات المنافسة من خلال نظام السوق الحرة.

زيادة كفاءة التشغيل ، نتيجة لخضوع إدارة هذه الشركات لرقابة ومحاسبة حملة الأسهم بدلاً من وقوعها تحت تسلط البيروقراطية الحكومية . فالاعتقاد الأساسى هنا هو أن القطاع الخاص أفضل وأكفأ من القطاع العام فى عملية تخصيص وإدارة الموارد المتاحة .

تخلص الحكومات من الأعباء المالية المتمثلة فى متطلبات التمويل وخدمة الديون للشركات الحكومية ، وكذلك التخلص من الأعباء الإدارية لهذه الشركات ، وبالتالى يقل العبء المالى على الموازنة العامة للدولة ، وتزداد إيرادات الدولة الناتجة من عملية البيع .

تحسين الهياكل التمويلية لهذه الشركات فى ضوء زيادة ربحيتها وانخفاض حجم ديونها ، حيث سيحل التمويل بالملكية “الخارجى والداخلى” محل ديونها المتراكمة

زيادة نطاق الملكية الخاصة (توسيع قاعدة الملكية) ، من خلال طرح الشركات للإكتتاب العام ، ونشر ثقافة العمل الخاص القائم على المخاطرة ، الأمر الذى سيؤدى إلى ظهور مايسمى بالرأسمالية الجماهيرية .

وقد وجدت هذه السياسات الليبرالية معارضة شديدة منذ ظهورها من جانب الكثير من القوى الإجتماعية الفاعلة ، كالنقابات العمالية والمهنية والأحزاب اليسارية والديمقراطية، وأنصار البيئة (أحزاب الخضر) ، والمنظمات النسائية والإتحادات الطلابية، فضلاً عن كثير من الكتاب والمثقفين والفنانيين . وقد ظهرت في مرحلة مبكرة من أوائل الألفية الثالثة تحالفات مرئية وغير مرئية ، منظمة وغير منظمة ، في الكثير من البلدان الصناعية، بين كثير من هذه القوى التى ترفض ما ذهبت إليه الليبرالية الجديدة وسياسة الخصخصة، وظهرت ثمرة هذه التحالفات فى نتائج الإنتخابات البرلمانية والبلدية والرئاسية التى جرت فى تلك الفترة، قبل أن تعود القوى اليمينية مسلحة بتوجه شعبوي للظهور مجدداً على رأس أنظمة القوى الكبرى.

وفي مصر، بدأت الحكومة تفكر بصورة جدية في إصلاح القطاع العام منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، عندمـا أطلت أزمـة الدين الأجنبي برأسهـا وطلبت الحكومة من صندوق النقد والبنـك الدوليين المعونة في إعداد وتنفيذ برنامـج للإصلاح الاقتصـادي والتكيف الهيكلـي. ولازالت خطة التصفية والخصخصة مستمرة إلى يومنا هذا، بعد أن تعلمت الدولة حالياً من أخطاء المراحل السابقة، واكتسبت خبرة فى كيفية احتواء الرفض المجتمعي والتحفظات المتعددة للقوى السياسية والمجتمع المدني والنقابات، ورغم ذلك فإن النقابات العمالية المصرية لازالت تخوض معارك تفاوضية قوية حفاظاً على حقوق عمالها في صفقات البيع.

 

 

Categories:   تثقيف عمالى

Comments