لطائف بلاغية
بقلم د. أحمد فتحي الحياني
أستاذ بكلية الآداب
جامعة الموصل
من أعظم ماتشير إليه ( سُورةُ الْقَدْرِ ) – على وجه الإجمال – التنويهُ ب (فضل القرآن وعظمته ) المُنَزَّل من الله الواحد العظيم ، والتنويهُ بالوقت الذي نَزَل فيه القرآنُ على قلب نبي هذه الأمة المصطفاة – صلى الله عليه وسلم – الرحمة المهداة للعالمين .
حتى ان بعض المفسرين سمّى (سورة القدر ) المشرَّفة ب (عُلُوِّ قَدْرها ) من بين الليالي بما يقع فيها من تقدير أمور إلهية لعباده ، سمّاها ب ( سورة ليلة القدر ) تنويهًا بهذه الليلةِ وشَرَفِها بسبب نزول القرآن فيها .
وقد عظَّمتها السورةُ بأسلوب (التفخيم والتعظيم ) البلاغي :
” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَاأَدْرَاكَ مَالَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ” .
فتكرَّرَت ليلةُ القدر فيها ثلاثَ مراتٍ ، والمرات الثلاث ينتهي عندها أسلوبُ ( التكرير ) غالبا كما ذكر أهلُ العلم والتفسير ، وذلك من أجل التنويهِ بشأنها ، وحثِّ المسلمين في كلّ بقاع الأرض في كلِّ الأزمنة والأمكنة إلى القيامة ، والتحريض لهم على تعظيمها بالعبادات والقيام والتصدُّق و (قراءة القرآن ) وتدبُّرِه والإحتفاءِ به في كلِّ شؤون حياتهم .
فليلة القدر تُعَدُّ بحقٍّ :
( عيدُ نزولِ الْقُرآن ) ، ودليلُ ذلك نزولُ الملائكة فيها والروح – جبريل – وهو أشرفُهُم – عليه وعليهم السلام – بإذن الله الكوني مرة في كل عام ، بدلالة الفعل ( تَنَزَّل ) الدال على نزولٍ لمرة واحدة في هذه الليلة المباركة ، نزولهم بالخيرات الإلهية والبركات التي لايعلمها إلا الله ، ومنها :
غفرانُ ذنوبِ العباد الصائمين القائمين والتائبين ، ومضاعفة حسناتهم أضعافا مضاعفة ، ورحمتهم ، وعتقهم من نار جهنم ، لذلك فهي :
(سلامٌ عظيمٌ ) بدلالة تنكير ( سلامٌ ) وتقديم الخبر ( سلامٌ ) على المبتدأ ( هي ) ، فهي ليلةٌ مختصةٌ ومتمحِّضَةٌ من بين الليالي ل (السلام ) حتى انتهاء صلاة الفجر .
وفي هذه الليلة المُحتَفَى بها في سكان السماوات ( الملائكة ) ، وسكان الأرض من ( الإنس والجن ) ، هي أيضًا تذكيرٌ ب (ليلةِ القَدْرِ الأولى ) التي نزل فيها ابتداءُ القرآنِ العظيمِ على قلب محمد – صلى الله عليه وسلم – وحيًا منجَّمًا في ( غار حراء ) بنوره على أهل الأرض .
وفي ذلك ردٌّ قويٌّ على الذين جَحَدُوا نزولَ القرآنِ من الله العليِّ العظيمِ . ليلةُ القَدْرِ التي تتكرَّر في ( شهر رمضان ) من كلِّ عام :
” شَهْرُ رَمَضَانَ الْذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ” .
اللهم اجعلنا ممَّن وافقَ هذه الليلةَ فقامَها احتسابًا لوجهِكَ الكريمِ .آمين .
Categories: الإعجاز فى القرأن و السنة