سياسة الحافة الحرجة
اللواء الدكتور علاء عبدالمجيد
تشتهر منطقة الشرق الاوسط بأن أراضيها مشبعة بالنفط القابل للإشتعال الفوري إذا صادفته شرارة شاردة وهذا يجعل قادة دول المنطقة أكثر حذراً وحصافة أو علي الاقل هذا ما يفرضه منطق الأمور , إلا أن الاحداث تندفع بطريقه هوجاء فيتطاير البارود الأسود ليشكل غمامة سوداء تجثم علي الشعوب والأنظمة
وتزداد الصراعات في المنطقة والتي قد تمهد لصدامات عنيفة تتولد عنها . شرارة مجرد شرارة طائشة قد تؤدي لخراب لن يستثني أحداً
لذا جاءت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي حاسمة وواضحة لتحذر القوي الاقليمية والدولية من مغبه الانجراف الي حريق هائل لن يعلم مداه أحد كان حازماً حينما ذكر أن الأمن القومي المصري يرتبط بأمن الخليج العربي جذرياً وعضوياً , وقبلها كان حاسماً حينما ذكر أن قرارات ضم الجولان السورية لإسرائيل ستصب حتماً في إتجاه تأجيج الصراعات بالمنطقة وستشكل وقوداً حديداً للأفكار المتطرفة والجماعات الارهابية
والعجيب في الأمر أن معظم القوي الاقليمية والدولية صارت تتبع سياسة الحافة الحرجة حيث تختفي السياسة الرشيدة القائمة علي الحوار والقانون وتحل محلها سياسة المعادلات الصفرية التي يدفع فيها كل طرف بأقصي طاقته لإزاحة الأطراف الأخري والاستحواذ علي كافة المساحة مقصياً الطرف الأخر , فها هو” وزير الخارجية الأمريكي ” يضع لائحة من 12 مطلب يلزم بهم النظام وتمتد لسحب القوات الايرانية من سوريا , ولا تتوقف عن إيقاف الدعم الايراني لجمعات الحوثي باليمن , كما تشمل تقليم برامج الصواريخ الباليستية الايرانية
وهو ما دفع نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق ” بيل بيرنز” للقول بأن هدف نظام ترامب هو إستسلام إيران أو تفجير نظامها من الداخل , ويري أن كلا الهدفين غير قابل للتحقق الأن
ويري الخبراء أن السياسة الأمريكية تنتهج أسلوب الضغط الأقصي بهدف إرباك النظام الايراني وإحكام الحصار حول خياراته المتاحة مما يدفعه للتفاوض من موقف ضعف لكن المفاجأة أن النظام الايراني رفض دعوي ترامب التي أطلقها في إحدي تغريداته للحوار المباشر وذلك يعكس خطورة الرهان الأمريكي وفي الوقت نفسه يعكس أن المتشددين يعتلون منصة إتخاذ القرار داخل إيران
وهذا ما أشارت إليه ” فايننشال تايمز ” في تحقيق عنونته بأن مستشاري ترامب قد يقودون الأمر لحرب شاملة مع إيران , ونشرت علي لسان ” روبرت مالي ” خبير الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل , قال ) ترامب يأمل أن تؤدي سياسة الضغط الأقصي الي مفاوضات مع إيران , لكن الأمر قد ينزلق لحرب وإذا كان ترامب مغامرة خطيره , فأن نظام الملالي الايراني لا يعرف إلا التهديد أو التصعيد حيث يهدد بحرق التعهدات النووية وتخطي الكمية المسموح بها من اليورانيوم المخصب قبيل نهاية الشهر الجاري ويمارس تصعيداً خطيراً في إستهداف ناقلات النفط مما يهدد المنطقة بفوضي عارمة , كما لا يخفي الدور الايراني في تطوير الهجمات الحوثية علي المرافق المدنية السعودية وهكذا تبدو الصورة علي ضفتي الخليج العربي منذرة بحريق وإنفجارات تصاعدية في مواقع عديدة بمنطقة الشرق الأوسط
والذي يزيد من قتامة الصور هو أن المصالح الخفية لكلا النظامين ( الأمريكي / الايراني ) تكمن في التصعيد المستمر للازمة , فالنظام الأمريكي تمكن من خلق العدو المشترك مع دول الخليج مما يعمق من التحالف الأمريكي الخليجي ويتيح لترامب تحقيق المزيد من المكاسب الأقتصادية والسياسية عن طريق التلويح بورقة إيران كعدو خطير لدول الخليج , كما أن التصعيد والذي يدفع إليه ” جون بولتون ” مستشار الأمن القومي الأمريكي – يسمح لإسكات الأصوات المعارضة داخل الكونجرس وخارجة علي الجانب الأخر تمكن المتشددون في النظام الإيراني من إحراج الثنائي ( روحاني / ظريف ) الأكثر إعتدالاً , فإشعال التوتر صب في صالح الحرس السوري الإيراني والساسة المرتبطين بهم والذين يقبلون علي إنتخابات برلمانية العام المقبل , ويروجون الأن لتخاذل روحاني أمام الإملاءات الخارجية , هذا بالاضافة أن سياسة ( بومبيو ) الهادفة لجعل الصادرات النفطية الإيرانية تقف عند نقطة الصفر , وستصب حتماً لصالح الحرس الثوري الذي يتربح من تجارة السوق السوداء وتهريب النفط والتي تزدهر وقت العقوبات .
Categories: أعمدة الرأى, سياسة, سياسة