عن محاولاتنا المستمرة لتغيير العالم
بقلم: طارق أحمد مصطفى
عندما كُنا صغاراً كنا صفحات بيضاء، على الفطرة التي خلقنا الله تعالى عليها. ومنذ اللحظة الأولى لنا في هذا العالم عُرضت علينا بدائل عديدة:
فأُعجبتنا بعضها، وانزعجنا لبعضها !
صدقنا أقوال، وكذّبنا أقوال !
قبلنا دعوات، ورفضنا دعوات !
انحزنا لأشياء، ونفرنا من أشياء !
جَبُنّا في مواقف، وتشجعنا في مواقف !
حفزنا أمور للظهور ولعب دور في حياتنا، وقاومنا أخرى ونحيناها بعيداً عن دائرة التأثير !
نحن منذ اللحظة الأولى مَن نجذب لحياتنا كل ما صرنا عليه، ونبعد عن حياتنا كل ما لم نكنه. بالتأكيد هناك عوامل مساعدة ومحفزات ومنفرات. ولكنها لم تكن أبداً لتنتج آثارها لولا أننا سمحنا لها بذلك، والدليل أن هناك من تعرض لمثل ما تعرضنا له ولكنه لم يخرج بما خرجنا به.
لذلك يقال دائماً أن: الإنسان إبن أفكاره. فأفكار المرء هى التي تشكل واقعه، وهي التي سيكون عليها مستقبله. فعلى سبيل المثال: إذا سيطر التشاؤم على عقل إنسان، فهذا لا يعني أن واقع الأشياء أو الأحداث مشئوم في حقيقته، ولكنه يعني أن هذه الفكرة التي سيطرت على عقله هي التي ستحول واقعه بالفعل إلى واقع مشئوم، لأنها ستحجب عن إدراكه كل مظهر للإيجابية والتفاؤل وكل ما يمنح بصيص أمل، وسيستمر فقط إدراكه لكل ما يؤكد الفكرة التي ترسخت برأسه وستجذب إليه أسبابها.
ويأتي الدين والعلم والفلسفة والأدب والفن والتنمية البشرية لتدعونا كلها للتوقف والتأمل وإعادة تقييم موقفنا وتطوير وتعديل أفكارنا. فهناك من يستجيب ويقبل رسائل التغيير، ويسمح لها بالمرور إلى عالمه الداخلي، ويتركها تصنع أثرها وتتجلى في واقعه الخارجي. وهناك من يسحب هذه الأشياء إلى عالمه، ويعيد إنتاج نسخة منها تشبه ما بداخله، لتؤكد ما هو عليه وتمنحه مزيد من الحضور.
ومن المشاهَد، أن أغلب الناس إذا استقبلوا رسائل التغيير تجدهم يتحمسون لتغيير الآخرين، وتغيير المجتمع، وربما تغيير العالم، ولكنه حينما يأتي الحديث لتغيير النفس يفقدون حماسهم. فأغلبنا – إلا من رحم الله – يشعر بالرضا عن نفسه ولا يرى أنه بحاجة للتغيير، لذلك يقاوم أغلبنا رسائل التغيير التي تأتيه عبر كل هذه المنابع التي ذكرناها، وتأتي (الأنا) الخاص بكل منا مدافعةً عن ذاتها فتستدعي أمام إدراكنا فقط كل ما يؤكد أن الخارج هو ما يحتاج للتغيير حقاً وليس الداخل، أن العالم هو ما يحتاج للتغيير وليس النفس، ومعيار هذا التغيير المطلوب أن يتحول العالم ليحاكي تصوراتنا ويوافق ما نحن عليه. وهي – من ثَم – تقاوم وتتهكم وتسفه وتحارب كل دعوة للتغيير الداخلي.
ولا مانع بالطبع من محاولتك عزيزي القارئ لتغيير العالم من حولك ليكون مكاناً أفضل، إلا أنه ينبغي أن تعي جيداً أن المفتاح الحقيقي لتغيير العالم يبدأ من النفس، وكما يقول الإمام عليّ رضي الله تعالى عنه:
وتحسب أنك جرمٌ صغير * وفيك انطوى العالم الأكبرُ
فنفسك تطوي بداخلها العالم، نفسك هي بوابتك نحو الحياة، هي المرأة التى ترى فيها كل ما هو خارجك، و وعينا بذلك المبدأ هو بوابة التغيير الحقيقية، ومثابرتك في محاولة تغيير نفسك للأفضل، هو – لو تعلم – أنفع لك وللعالم.
ومن رحمة الله أنه فتح لنا باب التغيير في كل زمان ومكان حتى آخر العمر. ومن عدله سبحانه أنه في نهاية الرحلة سيسأل كلٌ عن أفعاله هو، وسيحاسبه على اختياراته هو، لا عن العالم، وما ربك بظلام للعبيد.
*
الصورة المرفقة: لوحة “ليلة النجوم” للفنان الهولندي العالمي “فان جوخ”
Categories: أعمدة الرأى