Menu

أمريكا.. ثورة يناير.. و المؤامرة ( ذكرى ١١ فبراير ٢٠١١ )

بقلم الكاتب الصحفي : محمد السطوحي

كنت في حجرة إنتظار إحدي القنوات الأمريكية قبل دخولي أستوديو الهواء وذلك بعد ساعات من إعلان تخلي مبارك عن السلطة ، وبينما أفكر في هذه اللحظات التاريخية وجدت أمامي عضو الكونجرس “بيتر كينج” مع أثنين من مساعديه ، لم أكن في حاجة ليعرفني بنفسه فقد كنت أتابع نشاطه ومواقفه التي كثيراً مارفضتها ، لكنه قدم نفسه في كل الأحوال وتعارفنا .. كنت أود استغلال الفرصة لطرح مالدي من أسئلة؛ خاصةً أنه يتلقي بإستمرار تقارير الأجهزة الأمريكية بحكم موقعه كرئيس للجنة الأمن الوطني ، لكني وجدت لديه أسئلة أكثر وما كان ليتوقف بعد أن عرف أنني مصري.
كان غير مرتاح للتطورات في مصر و قلقاً من الإخوان و دورهم المتزايد بعد الثورة لكن أكثر ما كان يزعجه هو فشل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في توقع قيام الثورة..! و هو ماذكرهم بفشلها في منع هجمات ١١ سبتمبر ، سألني: إلي أي حد يجب أن نلومهم هذه المرة؟ ، فقلت له إن من قاموا بالثورة أنفسم لم يتوقعوا نجاحها بهذا الشكل لكن كانت هناك مؤشرات واضحة ، وأخرجت له مقالاً علي الهاتف سبق نشره في صحيفة المصري اليوم قبل الثورة بعشرة أشهر بعنوان .. “إنهم يشبهون الفيسبوك” ؛ توقعت فيه حراكاً كبيراً يستند أساساً إلي الفيسبوك و وسائل التواصل الاجتماعي.
أبدي دهشته لما في المقال بحيث تصور أنها نبوءة بما شجعه علي سؤال آخر: ماهي إذن الدولة القادمة؟
قمت من مجلسي وذهبت نحو الحائط ورسمت خريطة وهمية بإصبعي وقلت له هذه تونس وهذه مصر.. فماذا بينهما؟
برقت عيناه وتابعت قبل أن يجيب : إنها ليبيا. وهي نفس الإجابة التي قلتها- بالإضافة إلي اليمن – في حواري مع المذيعة المعروفة “أليكس ويتس” علي شبكة MSNBC.
لا أروي هذه الحكاية تفاخراً بصدق توقعاتي مثل آخرين ، ولكن لتوضيح كيف كانت الثورة مفاجئة للكثيرين في واشنطن ، إلا أن البعض منا أستسهل نظرية المؤامرة متناسيا أن واشنطن أيدت مبارك في بداية الثورة إلي أن تبين حجمها و صعوبة وقف طوفانها فأنقلبت عليهة، ساعد علي ذلك طبيعة شخصية “أوباما” و وجود أصوات تقدمية شابة في البيت الأبيض دفعت تجاه تبني مطالب الثورة.
الحال نفسه ينطبق علي ليبيا ، فتوقعي بإنتقال الثورة إليها لم يكن تنجيماً أو عبقرية بل قراءة للخريطة و نتيجة منطقية لعوامل (جيوبوليتيكية) مرتبطة بوجودها بين بلدين أشتعلت ثورة كبري فيهما ، مع الإختلاط السكاني الكبير بين الدول الثلاث ، وعندما حدثني صديق ليبي أستاذ علوم سياسية في أمريكا .. أشار لوحشية القذافي في قمع أي حراك محتمل ، و هو ماحدث بالفعل ، لكن هذه الوحشية التي رسخت حكمه في الظروف العادية كان فيها مقتله في مثل هذه الظروف الإستثنائية.
نحن ننسي كثيراً الأسباب الموضوعية التي أدت ليناير ، كما لو كنا لانريد أن نصدق أننا قادرون علي التغيير السلمي عندما نريد ، و أرتكن كثيرون لنظرية المؤامرة لأنها صارت تتردد كثيراً في وسائل الإعلام لأسباب معروفة .. هذا لايمنع طبعاً من محاولة أطراف كثيرة إقليمية ودولية التدخل فيما بعد ، لكن تدخلاتها كانت في أغلبها معارضة للثورة لإحباط نتائجها ، و إسرائيل التي يتهمها البعض كانت من أكثر الدول إنزعاجا ولَم تخف عملها ضد الثورة منذ بدايتها ، وقد ساعد تفكك التيارات الثورية و عدم وجود قيادة تمتلك الوعي و الكفاءة ثم ما أعقبها من فوضي في تسهيل مهمة إفشالها .. بل و تشويهها.
لكنها ستظل ثورة نقية حيث أحتشد الملايين من المصريين في الشوارع تعبيراً عن غضبهم من الفساد و الإستبداد وليس إنسياقاً وراء دعوات أشخاص.
هذا هو درس يناير الذي يجب أن نستوعبه جميعاً ، فلا أحد يريد تكرار ماحدث بكل ما يمثله من مخاطر ، لكن تفادي تكرار ذلك يحتم إستئصال أسبابها في المقام الأول وليس الاكتفاء بترديد : مؤامرة .. مؤامرة!

Categories:   أعمدة الرأى

Comments