فارس البهجات و القبسات
بقلم الشاعرة : فاطمة ناعوت
حين أعلنتُ ، قبل أعوام كثيرة، النجمَ سمير الإسكندراني أباً روحيّاً لصالوني الشهري ، قلتُ في كلمتي : “ما كلُّ هذا الألق الذي يسكنُ هذا الرجل الذي يجلس جواري على المنصّة الآن! ما سرُّ ذاك الإشعاع الذي ينبعثُ سَناهُ من بين ثناياه؟! رجلٌ فريدٌ ، نسْجٌ وحدَه ، يأتي مثلُه كلَّ ألف دهرٍ ودهر ؛ يأبى الچينومُ البشريُّ أن يسمح بتلك التركيبة الإنسانية المعقدة الشفيفة ، الصوفية العذبة ، السهلة العسرة ، النوارنية النيّرة ، الآسرة الكاسِرة ، إلا مرّةً كلَّ ألف عام. ولا يمنحُها إلا لبلاد تستحقُ أن تكون صانعةَ المواهب ، وأمَّ التاريخ والدنيا، اسمُها: مصر.”
أنا أحبُّ هذا الرجل. أحبُّه منذ خفق قلبي خفقتَه الأولى. وصنع ذهني الصغيرُ، على شاكلته، نموذجَ الفارس؛ الذي لا يكونُ الرجلُ إلا عليه ؛ فارسٌ صوفيٌّ من عصور النبلاء. خرج لتوّه من كتاب الحواديت ليقُصَّ علينا بعضاً من تاريخ مشبّع بالبطولاتِ التي منحها للوطن حتى يأمَن، و البهجاتِ التي منحها للحزانى حتى يبتسموا ، والحواديتِ التي يمنحها للخائفين حتى يطمئنوا، و قبساتِ النور التي ينثرُها على رؤوس الضالّين حتى يعرفوا طريقَهم ، والمواويلِ التي يمنحها للموحودين العازفين عن الدنيا حتى يأنسوا، فينتبه الكونُ على صدحِه ويعرفُ أن راهبًا صوفيّاً قد ترك خلوته وخرج على الناس ينثر بينهم الحبَّ والسلام والعذوبة والغناء، فيبتسمُ الكونُ ، وتُشرقُ السماءُ بنور الله.
هو إحدى أجمل حناجر هذا الكون ، وأكثرها ثقافةً. هناك حناجرُ جميلةٌ تمنحك صوتاً غرّيداً شجيّاً تطرب له. وهناك حناجر مثقفة تمنحك حالا من السياحة والسباحة والتأمل والشجن الروحي والذهني ؛ و هناك حناجر نادرة تجمع الحُسنيين ؛ الجمال والثقافة.
هذا هو .. الرجل ذو الحنجرة الجميلة والمثقفة ؛ كيف تجتمع القوة والعذوبة؟ نقيضان لا يجتمعان إلا في قطرة الندى التي من فرط عذوبتها تذوب على ورقة زهرة، ومن فرط صلابتها تنقر الصخرَ وتُصدّع الجبال ؛ تلك هي المعجزة الصوتية التي يمتلكها هذا الفارسُ النبيل.
إنه تعويذة الفراعنة الغنيّة بالمجد والمواهب. سمير الإسكندراني. حبيبي وأستاذي وأبي الروحي. أعتزُّ بك… وآآآه يا جميل… يا الذي تقطرُ موسيقى وتنثرُ الفرح، عِش ألف عام لأن الخالدين لا يرحلون.
Categories: أعمدة الرأى