Menu

لطائف بلاغية

بقلم د. أحمد فتحي الحياني
أستاذ بكلية الآداب
جامعة الموصل

” صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ” البقرة/ ١٣٨ .

من التعابيرِ البيانيةِ القرآنيةِ البديعةِ : (الاستعارةُ اللونيةُ ) التي لاينتمي لونُها إلى ألوانِ البشر ، وذلك في التعبير بها : (صِبغةَ اللهِ ) عن ( دين الاسلام ) ، فهي صِبغةٌ مضافةٌ إلى الله – سبحانه – ، دالةٌ على لونٍ خاص مُمَيَّزٍ ، ودالةٌ على تعظيمِها وأنَّها الحقُّ : ( صبغةَ اللهِ ) التي اختارها لعباده المسلمين :
وجاءت الصبغةُ منصوبةً على المفعوليةِ المطلقةِ ، أي : صَبَغَنا اللهُ صبغةً ، أو على أنها مفعولٌ به ، أي : اتَّبِعُوا صبغةَ اللهِ ، أي : دينَهُ دينَ الإسلامِ . والمعنى الزَموا دينَ اللهِ واتَّبعوه .
والاستعارةُ فيها تشبيهُ الدين الذي صَبَغنا اللهُ به -على سبيل التقريب- بالثوبِ المصبوغِ بجامعِ الظهورِ واللزومِ والتَّمَيِّز في كلٍّ منهما على سبيل الاستعارة التصريحية .
فهو دينُ اللهِ وليس دين البشر ، له علَامةٌ خاصة كما أوحت الاستعارةُ وسِمَةٌ يتميَّز بها من باقي الأديانِ والمِلَلِ والنِّحَلِ بكمالِه وتمامِهِ عقيدةً وشريعةً ، وفي تلبيته لكل حاجات الإنسان ولطائفه الانسانية ، وفي تلبيته لكلِّ شؤون الحياة على مرِّ الأزمنةِ والأمكنةِ .
والاستعارةُ اللونيةُ توحي بأنّ مَن تمسَّكَ بدينِ اللهِ ظَهَر عليه أثَرُهُ ولزِمَه كما يلزَمُ لونُ الصبغِ على الثوبِ لاينفكُّ عنه ، كذلك المسلمُ يَظهر عليه الدينُ والإيمانُ في عبادته لربِّه ، ويَبِينُ عليه دينُه في أخلاقِه وفي مُعاملاته ومسلكه في الحياة ومع الناس ، وهذا حال مَن تديَّنَ بدينِ الله ، وهذا هو السلوكُ العملي لعقيدة الإيمان بالله بلا مفارقةٍ أو مفاصلةٍ بين الإيمان والعمل ، بين العقيدةِ والسلوك ، وهو الذي تحثُّ عليه الآيةُ بالتزامِه والتمسُّكِ به ، فإنه لاأحسنُ من دينِ اللهِ وشَرعِه الذي ارتضاهُ للناس :
” وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً ” فلا أحسنُ من الفطرة على دينه التي فطَرَنا اللهُ عليها ، وأرشدنا إليها في عبادته مخلصين له وحده ، بدلالة بلاغة تقديم شبه الجملة ( له ) التي جاءت على لسان عباده استجابةً له ، وطاعةً وامتثالاً فاتَّصَلَ كلامُهُم بكلامِه – سبحانه – وهو مظهرٌ من مظاهرِ تكريمِهم ، فهم الذين تُوَجَّهُوا له بالعبادةِ وحده مخلصين : ” وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ” فاستحقُّوا القُربَ منه والتكريمَ .

Categories:   الإعجاز فى القرأن و السنة

Comments