Menu

وشاح أمي

بقلم : نيرة عبد الهادي

نزار ..؛ ذلك الرجل الذي ارتدى ثوب امرأة و أستعار حقيبة يدها وأدوات تجميلها ، وتحدث عن مكنون صدرها بجراة رجل يدرك جيداً أنها الجزء الأكبر المكمل لشخصيته دون الشعور بثمة ضعف.
في حقيقة الأمر ، أنا كامراة أعجز أحيانا عن وصف شعور امراة مثلي ، و ليس ذلك فحسب ، ولكني قد أفشل أحيانا أن أصف شعوري حيال أمر ما أو لحظة تأبي المغادرة كي لا تنسي.
عندما يتبني رجل قضية التحدث عن امراة يبدع جدا في ذلك ،والعكس أيضا صحيح. و هذا أكبر دليل واعتراف صريح بواسطة أقلام مضادة علي أن كلاً منا ناقص بدون الآخر.

ذات يوم أرسل لي صديقا رسالة يقول فيها : (انزعي عنك عباءة نزار وتحرري منها !!!) ؛ تجاهلت الرد كعادتي مع كل من يتعمدون النظر لإصبعي حين أشير للقمر بينما يتجاهلون وجهه المنير.

الآن ؛ أنا علي أهبة الاستعداد لأخبره أن أقلام النساء تبري بإحتكاكها بأقلام الرجال، ولا أجد مانعاً يحول دون أن يرتدي كل منا ثوب الآخر ويتجول داخل صمته ويكتب عن كل ما يتعثر به داخله .

للمرة الأولي أتخيل نفسي رجل ،يدخن بشراهة ، ذقنه مهمل يجوب الأزقة بحثا عن رائحة امرأة تشبه رائحة أمه ،
رجل توقفت حياته مع توقف أخر نبضة في قلب أمه ، غادره الشغف وفقد دهشته ، و بعد مرور عشرة أعوام كان القلم بمثابة الإبرة التي رتقت كل جراحه وكتب أول رواية له بعنوان ( وشاح أمي)

فكتب فيها :

لقد بعثرتني امرأة بصمتها ،حتي جعلتني كشاعر أكلت دودة القز قصيدته الوحيدة قبل بتر أصابعه
جعلتني كعابث ألهو في عينيها وكأنني طفل في حجرته المليئة بالألعاب ،لا يشعر بالغربة رغم أنه وحيد ،أصابتني بتخمة مشاعرية صادقة ،ملأتني عن أخري بالدهشة حتي أنني انتبهت للمرة الأولي لفلسفتها عن الجمادات من حولنا ، وبطريقة برايل بدأت أتحسس شقوق الجدران وأعتذر لها عن كل المسامير الذين أثقبوها.
امراة تشبهك يا أمي حد انبعاث رائحة التراب حين يخلط بالماء من عينيها ،كلما نظرت في عينيها أتذكرك عندما كنت تخلطينهم لسد شقوق جدران غرفتي حين كنت طفلا ، كفوف يدها خصبة كحقول قريتنا ، كل قديم يشبهك يسكنها .
لم يكن ينقصها سوي ارتداء وشاحك لذلك أهديته لها ،وبالمقابل أهدتني وفائها

Categories:   كلمة و مقال

Comments