Menu

باب البيت

قصة قصيرة بقلم : طارق أحمد مصطفى

على باب البيت، قال لها – ولا يزالا جالسين داخل السيارة، ينظر فى عينيها، وتنظر فى عينيه، ويحتضن كل منهما كف الآخر: كم كان يوماً جميلاً سرقناه من أعمارنا.أرخت عينيها اللامعتين، خجلاً، أو أسفاً لانتهاء يوم جميل، وقالت: إلى متى سنظل هكذا نختلس الأوقات. ضغط برفق على كفها، ثم تنهد قائلاً: هذا قدرنا يا حبيبتى . . تلك مصائرنا التى التصقنا بها والتصقت بنا . . أقدارنا التى لم يعد لنا فكاك منها.
رفعت رأسها، نظرت نحوه باتساع عينيها، تريد أن تُشبعهما من ملامح هذا الوجه المحب الطيب التى لا تدرى متى ستراه مرة أخرى، قال لها بعد أن رفع كفيها إلى شفتيه وطبع عليهما قبلتين: ليس أمامنا غير أن نرضى بتلك المرات القليلة نلتقيها بعيداً عن العيون . . ثم نفترق لنواصل حياتنا على أمل وصال جديد.
لمحت مصباح شرفتها يفتح ورأس صغير يطل عبر السور، تماسكت، تنهدت فى عجلة، ثم هزت رأسها قليلاً فى نشوة مَن أفاق مِن شرود لذيذ، سحبت كفها من بين كفيه، تشبث بإصبعها الأخير قليلاً قبل أن تسحبه، ودع عينيها بنظرة شوق، وودعت هى عينيه بابتسامة رضا وامتنان، وعلى شفتيها كلمة: سأنتظرك
ظل ينظر نحوها وهى تخطو نحو باب البيت، مبتعدةً عنه من جديد، يتأمل تلك الأنوثة المنهكة التى استعادت اليوم شيئاً من عافيتها، ينظر إلى كرمشات ثوبها الوردى الجديد من أثر جلستها بجواره، والتفافات طرحتها الزرقاء التى تستر عرقاً دافئاً يسيل هادئاً على مواضع أصابعه وشفتيه.
شرد ذهنه قليلاً، أغمض عينيه محتضناً لحظات لا يدرى متى سيعيشها مرة أخرى، ثم أدار محرك سيارته وسار بها فى هدوء نحو الشوارع الخلفية.
وعلى باب البيت، وقف متأبطاً سترته، حاملاً حقيبة صغيرة فى يده الأخرى وكيس من الخبز “الفينو”، توقف قليلاً فى طريقه ونظر نحو شرفة شقته التى ينبعث منها صوت جلبة حميمة، وقبل أن يضغط الجرس كان الباب قد انفتح، وابن صغير يقفز ليتعلق برقبته، وإبنة كبرى تحمل عنه حقيبته بعد أن تطبع على وجنته قبلة صغيرة، يلقى السلام على أمه التى كانتتتكئ  على أريكتها ناظرة نحو مسلسلها الأثير بالتليفزيون وهي تشرب قهوتها، والابن الأوسط يسرع إليه بينما يخلع حذائه ليشكو من أخته الكبرى، فيربت على كتفه فى حنو، ثم يمضى نحو غرفته، ويسمع فى طريقه صوت مياه الصنبور قادمة من خلف باب الحمام.

يخلع جوربه على باب الغرفة، ينظر إلى فراشه المرتب، وإلى الستائر التى تخفى وراءها النافذة المغلقة، يلقى سترته على حافة الفراش، ويلمح طرحة زرقاء وثوب وردى لازال دافئاً ملقيان على الحافة الأخرى.

Categories:   أدب ونقد

Comments