لطائف بلاغية
بقلم د. أحمد فتحي الحباني
أستاذ بكلية الآداب
جامعة الموصل
” قُولُوا آمَنَّا بِالله… ” البقرة/ ١٣٦ .
القولُ في القرآن له معان كثيرةٌ متعدِّدَةٌ ، لا تُفهَمُ إلا بقرائنِ السياقاتِ التي يَرِدُ فيها القولُ في الآياتِ البيِّناتِ .
وقد ذَكَر المفسرون ودارسو لغةِ القرآنِ الكريمِ وجوهًا عديدةً لمعانيه .
من ذلك معنى ( القول ) الواردِ في هذه الآيةِ ونظائرِها على صيغة الأمر بالإيمان والمخاطَبُ به الجماعة : ( قُولُوا آمَنَّا باللهِ…) .
والقولُ في هذه الآية بقرينةِ سياقِ الآيةِ لايَنحصِرُ في القولِ باللسانِ ، أي : بماننطقه قولا باللسان فحسب ، فهذا القول المنطقي لا يتحقَّقُ به مرادُ الآيةِ وهو : الإيمان المأمورون به .
وإنَّما القولُ في الآية ، هو قولٌ بألسنتِنا ، وقولٌ في نفوسنا وقلوبِنا معه اعتقادُ ذلك القولِ والعَمَلِ به .
والمعنى أنْ نَنطقَ بألسنتنا ماأمَرَتْنا به الآيةُ : (( قُولُوا آمَنَّا باللهِ وَمَاأُنزِلَ إِلَينَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إبرَاهيمَ وإسمَاعِيلَ…وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) .
وأن نقولَه بأنفسِنا وقلوبِنا بمعنى : أن تصدِّقَ به نفوسُنا وقلوبُنا معتقدةً بذلك اعتقادًا جازمًا .
وبذلك يكون القولُ المأمورون به في الآية واردا لمعنى الإيمان بالله وماأمَرَتْ به الآيةُ من الإيمان به ، وهو التصديقُ بالجَنانِ والعملِ بالأركان مع القبول والإذعان ، وأكَّد ذلك الجملةُ الإسميةُ التي خُتِمَتْ بها الآيةُ : ” وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ ” .
والاسلامُ هنا معناه : الاستسلامُ والانقيادُ لله بالألسنةِ والجوارحِ والنفوسِ والقلوبِ ، على وجه (الإخلاص ) بدلالة بلاغة تقديم ( له ) أي : نحن مخلصون لله وحده بالأقوال والأفعال : ظاهرًا وباطنًا بمحبةٍ وإجلالٍ وتعظيمٍ .
Categories: الإعجاز فى القرأن و السنة