“النقابي” الذي باع نفسه للشيطان
بقلم: طارق أحمد مصطفى
لم يكن شخصاً عادياً بين زملاءه، كان ذو كاريزما قيادية واضحة، دائماً ما تتجه إليه الأنظار عندما يحتد النقاش ليُسمع لرأيه، ويلجأ إليه الزملاء فى الأوقات التي تزيد فيها الشكوك والحيرة، ويتصدر لمواجهة الأزمات لأن الجميع يثق فى رجاحة عقله وقدرته على التصرف، لذلك عندما ترشح للنقابة تفوق بفارق كبير على أقرب منافسيه.
اكتسابه للثقة جعلته يحمل هموم زملاءه ومظالمهم على عاتقه، ويتصدى لحل مشاكلهم بكل وقته وجهده، ومع حضوره لبرامج التثقيف العمالي واكتسابه للمعرفة والخبرة توسع اهتمامه النقابي خارج حدود شركته إلى الصناعة التي ينتمي إليها، ثم إلى قضايا الطبقة العاملة بصفة عامة، وصار يصنف نفسه مناضلاً من أجل حقوق العمال، وشارك فى فاعليات سياسية وحزبية كثيرة ممثلاً عن القطاع العمالي.
حضوره للندوات والفاعليات النقابية والسياسية، ولقاءاته التي تعددت وعلاقاته التي تنوعت بكافة أطياف المجتمع جعلته يقضى وقتاً ليس بالقليل بعيداً عن شركته وزملاءه، ولأن هذه الفاعليات كثيراً ما تُعقد فى أماكن مشبعة بأجواء مترفة، فإن حضورها جعله يعيش أجواء لم يعتد عليها، ويتناول أطعمه لم يتذوق من قبل مثلها، ويجلس على مقاعد وثيرة لم يجلس من قبل على مثلها، ويجالس أشخاص ذوي أناقة ورقي في الحديث يعاملونه بنديّة، وهو لطبيعته البشرية استعذب كل ذلك وأحب أن ينال منه المزيد، وكان عندما يعود للقاء زملاءه يقارنهم في نفسه بكل من رآهم وتعامل معهم، فيستشعر مقدار ما هم عليه من ضحالة وسذاجة وفجاجة، وتحدثه نفسه أن أمثال هؤلاء لابد أنهم يستحقون ما هم عليه.
مع الوقت صار يشعر بالفارق في الوعي والخبرة والمكانة التي صارت بينه وبين زملاءه الذين يمثلهم، وصار يضيق بمطالبهم وإلحاحهم ويستاء من ضيق أفقهم وعدم استيعابهم لحجم التحديات التي يواجهها من أجلهم، وصار يتعامل مع نقد بعضهم وتهكمهم عليه على أنه من قبيل الحقد والحسد، وينفر من هذه الأصوات التي يراها حاقدة، ويفضل الجلوس إلى من يراهم داعمين ومؤيدين ومتفهمين لحجم ما يبذله، ولأنه أحب كلامهم المادح قربهم إليه أكثر وآثرهم بالترشيح لحضور التدريبات والرحلات والفاعليات النقابية.
حدثته نفسه أنه مهما فعل وضحى وبذل فإن الناس طبعها الجحود ونكران الجميل، لذلك أخذ يتكلم كثيراً عما يفعله ويحققه وما يخوضه وعما صار لديه من خبرة واطلاع على خبايا الأمور التي لا يهتدي إليها إلا صفوة الناس، وافتخر على الملأ بما حققه لا على أنه إنجاز للنقابة ولا للعمال ولكن على أنه إنجاز شخصي يُنسب إليه ، واعتبر عمله النقابي هو الصفة التي عليه أن يعرّف نفسه بها، بل إنه طبع كروتاً شخصية عليها الصفة النقابية وحدها دون صفته كعامل فى مهنة ما أو شركة ما، وتدريجياً صار يتعامل مع النقابة على أنها مكان عمله متناسياً مهنته الأصلية التي رأى أنها لم تعد تليق به.
تسائل بينه وبين نفسه، هل بعد ما حققته واختبرته ووصلت إليه من أجل هذه النقابة وهؤلاء العمال، سيأتي بعض الحاقدين والمزايدين ليجمعوا الأصوات لإزاحتي من النقابة؟ هل يليق أن أنزل إلى الانتخابات منافساً لبعض هؤلاء الموتورين؟ وهل من المقبول بعد ما وصلت إليه أن اتعرض لخسارة الانتخابات على يد هؤلاء وأعود فرداً عادياً من عموم العمال، بينما أترك ما وصلت إليه من مكتسبات ليتسلمه هؤلاء الفشلة الحاقدين فيفسدوه؟ ، ثم إني قد استثمرت وقتي وجهدي فى هذه النقابة واعتدت على أن احصل على بعض المزايا المادية والعينية فضلاً على الفرص التي أحصل عليها من وراء العمل النقابي وتلك المكانة التي صرت عليها، هل يصح أن أترك كل هذا ليأخذه آخرون على الجاهز؟!
أدرك أن كفاءته النقابية ليست كافية وحدها ليحتفظ بموقعه، إن الأمر يحتاج إلى تحصين هذه المكانة، فكر أنه لابد أن يضمن ولاء المؤيدين له بشكل أكبر، وأن يرتب مع دوائر علاقاته بشكل أوثق لتأكيد بقائه، وأن عليه أن يُثبت ولاءه لأصحاب العمل ولكل من يُمكن أن يضمن له البقاء، ويشعرهم أنه رجلهم، وأنه واحد منهم، يتكلم بلسانهم، ويعبر عن توجهاتهم، ويشكل وجوده حلقة الوصل الأساسية بينهم وبين العمال، حيث يستطيع بقدراته الخطابية أن يقنعهم ويهدئ ثورتهم، ويستطيع من خلال رجاله المنتشرين بينهم أن يفتت وحدتهم ويفرق كلمتهم، ويستطيع بدهائه وبمعرفته بمفاتيحهم أن يسيطر عليهم بالعصا والجزرة، وقد رأى أنه لا مانع فى سبيل ذلك أن يرتب المؤامرات وأن يدوس على الجميع وأن يتحالف مع الشيطان ذاته.
لعلك – عزيزي القارئ – تريد أن تعرف مَنْ هو ذلك النقابي الفاسد الذي نتحدث عنه، ولعل رأسك ذهبت بك إلى أسماء بعينها تميل أنت عادة إلى اتهامها.
عزيزي القارئ . . إن ذلك النقابي الذي نتكلم عنه ليس شخصاً بعينه ولكنه حالة ربما نراها فى الكثيرين. وربما إن كنت نقابياً تكون أنت ذلك الشخص المقصود. وربما يكون ذلك هو مستقبلك في العمل النقابي إذا ذلت قدمك في الرمال الناعمة التي ينزلق فيها كثير من المناضلين والمخلصين من حيث لا يشعرون، فيفقدون النقاء النقابي والروح النضالية مع الوقت، ويغرقون تدريجياً فى الفساد وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
Categories: أعمدة الرأى