“الرحمن الرحيم” جلَّ جلاله وتَقدسَتْ أسماؤه
إعداد : بسنت منجي
هما أسمان مشتقان من ” الرحمة” ولعِظَمْ المعنى كثرت الأقوال فيهما وتشعبت، فقال البعض :إنه لا يجوز أن يُجمع بين “الرحمن والرحيم” إلا لله وحده ؛ وأجمع العلماء على أن “الرحمن” أسم يختص به المولى عز وجل؛ ولا يجوز أن يُسمى به غيره؛ ألا تراه سبحانه قال في كتابه الحكيم :
“قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ ” _الإسراء 110_
أي أنه سبحانه قد عادله بالأسم الأعظم الذي لا يشاركه فيه غيره
وقال :
” وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ”_ الزخرف 45 _
و هنا يكون قد أخبرنا بأن الرحمن هو المستحق للعبادة وحده سبحانه.
* لقد ذهب الجمهور إلى أن (الرحمن) مشتق من الرحمة؛ مبني على المبالغة ومعناه: ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها لذلك لا يُثَنَي ولا يجمع كما يُثَنى (الرحيم) ويجمع. فقال إبن حصار: ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
” قال الله عز وجل: إني أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها أسماً من أسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته”.
وأما (الرحيم) فقد يوصف العبد به إذا أتصف بمفهومه، وأحق من وُصِف به من الخلق هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله في كتابه الكريم :
” لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٌ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ” _التوبة 128_
وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه “أرحم الراحمين”؛ وذلك يدل على المشاركة في هذا الوصف والإذن في إطلاقه على العباد؛ والراحمون: جمع راحم و رحيم بمعنى واحد و متقاربان.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لو يعلمُ المؤمنُ ما عند الله من العقوبة، ما طَمِع بِجَنَّتِهِ أحدٌ، ولو يَعلمُ الكافرُ ما عند الله من الرَّحمة، ما قَنَطَ من جَنَّتِهِ أحدٌ».
* قال ابن المبارك : ” الرحمن ” الذي إذا سُئل أعطى؛ أما “الرحيم” فهو الذي إذا لم يُسأل غضب ؛ و روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“فمن لم يدع الله غضب عليه”
لذا فالرحمن يدل على صفته العامة المختصة به جل جلاله ، ويستحيل أن توجد لغيره إذ لا يوجد مخلوق تعم رحمته على جميع المخلوقين من أوليائه وأعدائه أجمعين. و”الرحيم” وصف يدل على الفعل الذي قد تقع المشاركة فيه؛ لذلك وصف نفسه سبحانه بأنه خيرُ الراحمين، وأرحم الراحمين .
* لذا ..
فكن رحيما لنفسك ولغيرك ،ولا تستبد بخيرك؛ فأرحم الجاهل بعلمك ،والذليل بجاهك ،والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، و العصاة بدعوتك ، والبهائم بعطفك؛ وكُفَ سوطك .. فأقرب الناس من رحمة الله أرحمهم بخلقه؛ ولقد دخلت البغي الجنة بسقيها كلباً؛ فمن كثرت منه الشفقة على خلقه والرحمة على عباده ، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته ، و وقاه عذاب قبره، و هول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من موجبات رحمته .
ولا يصيبنك العُجْب بعملك وكثرته وإخلاصك فيه؛ فتتكل عليه دون رحمة ربك الولي الحميد ؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال :
“ما من أحد يدخله عمله الجنة” فقيل: ولا أنت يا رسول الله؛ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته”
ومن رحمتك لنفسك أن تطلب النجاة من النار و الفوز بالجنة بتقوى الله عز وجل و حفظ حدوده و العمل بما يرضاه.
وقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“لما خلق الله تعالى الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتى تغلب غضبي”
ويدل علي هذا المعنى قول الحق سبحانه وتعالى :
“كتب على نفسه الرحمة ” _الأنعام 12_ و خرج مسلم عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
” جعل الله الرحمه مائة جزء فأمسك عنده تسعة و تسعين وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه”
* و عن حظ العبد من أسمي {الرحمن & الرحيم}
حظ العبد من أسم (الرحمن) أن يرحم عباد الله الغافلين؛ فيصرفهم عن طريق الغفله إلى طريق الله تعالى بالوعظ الرشيد والنصح الرفيق؛ و باللطف دون العنف، وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة لا بعين الإزراء ، وأن تكون كل معصيةٍ تجري في العالم كمصيبةٍ له في نفسه ، فلا يألوا جهداً في إزالتها بقدر وسعه؛ رحمةً لذلك العاصي الذى يتعرض لسخط الله تعالى فيستحق البعد عن جواره.
أما عن حظ العبد من أسم (الرحيم) ألا يدع فاقةً لمحتاج إلا سدها بقدر طاقته؛ ولا يترك فقيراً في جواره وبلده إلا و يقوم بتعهده ودفع فقره ، إما بماله أو جاهه أو بالسعي في حقه بالشفاعة إلى غيره ، فإن عجز عن جميع ذلك .. فيُعينه بالدعاء له ، مع إظهار الحزن بسبب حاجته ، رقةً عليه وعطفاً.
..
و قد تتداعى بعض الشبهات بأذهان البعض منا ؛ فتقفز الهواجس على هيئة أسئلة مثل :
كيف تكون رحمة الله تعالى مطلقة و شاملة و تامة بينما يتزايد أعداد المعذبين في الأرض من المؤمنين ..؟!
>> هذا ما سوف نجيب عليه في حلقة قريبة.. >> فأنتظروووووونا <<
Categories: تثقيف عمالى