د. آمنـــة نصيــــر في حوار شامل عن التوحيد و الشريعة الإسلامية
د. آمنـــة نصيــــر في حوار شامل عن التوحيد و الشريعة الإسلامية
مع : بسنت منجي
في أزمان الفتن المظلمات أو في السنوات الخداعات حيث يَتدثَرْ بعض الناس بمسوحِ الرهبان و يتقولون علي الله ما لا يعلمون ؛ يكون لزاماً على طالب الهداية و راجي النجاة أن يلوذَ بأهل العلم و التقوى ..
ضيفتنا الكريمة قد حازت من العلم الشرعي منتهاه حتي صارت كالنبع العذب ينهل منه الشاربون المتعطشون ، كما رزقها الله عز و جل فيضاً من تقواه فكان لها درعاً .. فبالعلم و التقوى خاضت الصعاب من أجل إنارة العقول بضياء الهداية و الرشاد ،ضيفتنا العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر ” أ.د. آمنه نصير “.
(س1)
سيكون أحد أهم محاور لقاءنا منبثقاً من وصفها الصادق -حد القسوة- للأمة الآن .. حين قالت : “نحن أمة غطاء المظهر وخواء الجوهر”.
←فكيف نصحح مسار الإيمان فى قلوبنا ونصل لكمال التوحيد؟
° فأجابت أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية :
كان دافعي لهذا التصريح لفت الإنتباه لأهمية صحة توحيد المرء ،حيث نرى الكثيرون ممن لهم سَمتْ الصالحين ومع ذلك يأتون بأعمالٍ تمس التوحيد و يقعون فى أفعالٍ منكرة ، فالتوحيد هو العمود الفقري للإيمان لو أستقام لأنضبطت الأفعال و المعاملات ، و هو علم العقيدة الذي يشكل وعي المسلم ومن ثَمَّ سلوكه، لكنه علمٌ خطير يحتاج إلي دقة الكلمة و صواب الجملة و لا يجوز أن نخوض فيه باللغة الدارجة ،وهو من أمتع العلوم حال تشربت نفسك مفاهيمه وصار منهاجاً للحياة ، لذا كنت فى بداية كل عام دراسى أمكث محاضرتين مع الطلاب الجدد لتوضيح مغاليق اللغة الخاصة بالعقيدة ،و كيف نلِّجْ بحار هذي العلوم بشئٍ من الدقة و الحكمة و الحذر و اللغة القويمة ، لأن الكلمة فيها تحمل مفاتيح جنان رب العالمين بينما اللفظ الخاطئ أو الناقص ربما يطرحنا في النار.
س) ب-
و كيف يصل المسلم لتمام التوحيد؟
° فقالت :
لابد قبل كل شئ إستحضار النية و صدق العزم لكي يوفقك رب العالمين و يفتح لك مغاليق أسرار ذاته العَلِّية و صفاته الجليلة و أسماؤه الحسنى، أما عن الوسائل لذلك فهي القراءة المتعمقة لما سطره علماء و فلاسفة الأمة من دررٍ مصونة داخل المراجع الإسلامية المتخصصة، ثم النهل من المعارف الإنسانية لأن كل معرفة حقة تؤدى حتماً للإيمان بوجود رب واحد خالق ضبط كل شئ و أحسن كل شئ صنعاً.
س) ج –
نرجو إلقاء مزيد من الضوء حول الروافد التي كونت فكر سيادتك؟
° فأجابت “نصير” :
أفخر بأني قد تتلمذت على يد أعظم فلاسفة الأمة العربية فى القرن العشرين ، كان كل منهم قامة مديدة في عمله و طباعه مثل: د. ذكي نجيب محمود ،د فؤاد زكريا، د.فوقية حسن ، و لم أنهل من علومهم الغزيرة فحسب بل أنني أكتسبت الكثير من طباعهم و أخلاقهم السامية من حيث احترامهم للفكر الإنساني و لمفردات هذا التخصص الفريد، بالإضافة لإيمانهم بحرية البحث العلمي و الإجتهاد و بأحقية كل أطروحة متماسكة للنقاش و التقييم.
س) ء-
أرجو أن نوضح للمتلقي مفهوم التوحيد بشكل مبسط ؟
° فأجابت “د. آمنة” :
لابد للإنسان أن يدرك ثم يوقن بأن الله عز و جل هو المستحق للعبودية منفرداً ، هو وحده مالك الملك لأنه سبحانه هو المستحق الأوحد للعظمة ، فلا يتعلق قلب المرء إلا به و لا يرجو إلاه و لا يهاب سواه ،هو سبحانه يغفر الذنوب جميعاً إلا أن يشرك به و ذلك من عمل القلوب و الجوارح معاً.
( س2 )
ما بين روح النص و مستجدات العصر يأتى الإصرار على غلق باب الإجتهاد تحت ذريعة أن كل الأمور قد قتلت بحثاً على مدار القرون الأربعة عشر..
← فما تعليقكم على ذلك ؟
° فأجابت “د.آمنة” :
أرفض غلق باب الإجتهاد رفضاً باتاً ، و لقد كانت لي في تلك القضية صولات حيث ألقيت جملة أمام عمداء كليات جامعة الأزهر و هي مدونة داخل مضابط مجلس الجامعة، حيث قلت لهم : “هل نحن قادرون على ألا نُقتلع من جذورنا لأن ذلك يورثنا التيه والتشرذم.. لكن شريطة ألا نغترب أيضاً عن مستجدات عصرنا ، فما بين هوة الإقتلاع وفخ الإغتراب جسرٌ طويل .. فهل نحن قادرون وراغبون حقاً في العبور فوقه إبتغاءً لفقهٍ معاصر ؟
فنظر إليهم ( د. عبد الفتاح الشيخ)- رئيس الجامعة آنذاك – وقال لهم: ليتكم تجدون إجابةً شافية على تساؤل العميدة آمنة ..! ؛ و لم أزل في إنتظار الجواب.
° ثم أستطردت قائلة :
لقد كررت تلك الجملة فى العديد من المحافل العلمية واللقاءات العامة، حيث أننى لا أتمنى ان نقتلع من جذورنا الضاربة في أعماق الفكر الإنساني الرشيد فتلك الجذور لطالما أمدتنا بالخير بل وأهتدينا بما أفرزته من علوم شرعية ثرية و متنوعة.. ولكني أيضا أعمل وفق مسؤلية الإجتهاد بواسطة الأدوات الشرعية المعتبرة كيلا نغترب عن عالمنا الذي يركض في طريق الحداثة والتطور كل يوم.
/س\
← هل ترين أن مؤسسة الأزهر الشريف قادرة على السير على هذا الجسر الأصولي والتنويري فى آن واحد ؟
° فقالت :
لم أزل يملئني اليقين بأن الأزهر الشريف هو الجهة العلمية القادرة على تدشين ذلك الجسر الآمن فلا نسقط في هوة التغريب وأيضاً لا نقع فى فخ الإغتراب ، هذا على الرغم مما يلاقيه العالم المجتهد من مقاومة شرسة ترتكن إلى ما ورثناه من علوم دونَتْ في ملايين من الصحائف التي حفظت في ألاف المراجع.. وكأن ميراثنا الشرعى الثرى يوجب علينا أن نمتنع عن الإجتهاد والبحث العلمي وفق القواعد والأدوات الشرعية الراسخة.
( س 3 )
منذ سنوات بعيدة تصاعدت الأصوات بضرورة (تجديد الخطاب الدينى ) ؛ تخفت حيناً ثم ما تلبث أن تعلو وتزداد …
← ألاترين بوجود مقاومة شرسة تمنع تحقيق هذا التجديد على أرض الواقع؟
° فقالت د. آمنة نصير :
إن مسيرة الحياة الإنسانية تمضي وفق قاعدة أنها كل يوم هي في شأن ، ولقد جاء النبى الأكرم سيد الخلق (ص) خاتماً للأنبياء فلا رسول بعده وجاء حاملاً لشريعة غراء جعلت من الإجتهاد فرض على كل مقتدر على حمل أمانة الإجتهاد الشرعي، وعلى جانب أخر .. تتفرد الأمة الإسلامية بين كل الأمم بما ورثته من علوم الأئمة الأولين التي شملت مدارس ومذاهب فقهية شتى، وكان من المفترض أن ترتكز الأمة على هذه الذخائر لتنطلق نحو العصر… ولكننا للأسف أرتضينا أن يكون مجرد ورثة نقتات على العلوم الموروثة ولا نضيف إليها فأنغلقنا داخل هذا الماضي المنقول عن عصور تختلف جذرياً عن عالمنا المعاصر وكأن هذا الميراث دفعنا إلى الكسل العقلى، فصارت عقولنا ناعمة تأبى أن تخوض غمرات الإجتهاد وتناسينا أن الإجتهاد تكليف ومسؤلية تقع على كاهل كل مقتدر مؤهل له لا سيما العلماء فهم الأولى بحمل أمانة الإجتهاد ولكى تستنير الأمة بعلمهم ولكن أغلبهم تقاعس رغم أن خاتم المرسلين (ص ) حض على الأجتهاد فلم يخوفنا من الوقوع في الخطأ بل قال المعصوم ( ص) لو أجتهدت فأخطأت فلك أجر وإن أصبت فلك أجران ،ورغم هذا الأمر النبوي الصريح نجد فقهاءنا يفتون وفقاً لأراء الأئمة دون إضافة أو تعديل ، فلا هم أنصاعوا للأمر الشرعي ولا هم أقتدوا بالإمام الشافعى الذي قام بإدخال تعديلات كثيرة على مذهبه حينما أنتقل من العراق للإقامة في مصر، في إشارة لا تقبل التأويل أن الفقه يختلف بإختلاف المكان والزمان، فالشريعة الإسلامية ثابتة بينما الفقه يتغير ويتبدل حتماً ولزوماً وهذا هو المقصود بتجديد الخطاب الديني.
( س 4)
هل حقا يعيش الدين الأسلامى أزمة حقيقية ما بين تشدد المتشددين وتسيب اللامبالين ..
← أليس هذا أدعى لتضافر المخلصين من علماء الامة لكتابة فقة جديد؟
° فقالت الأستاذة الدكتورة :
“لقد صرنا أمة من الوارثين المتعطلين، فلقد ورثت الأمة الإسلامية تراثاً فقهياً و حضارياً مجيداً لكننا فضلنا الركون إليه، فلم نقم بالبناء عليه و العمل على تحديثه وفق الأدوات العلمية و الشرعية؛ و على الرغم من أن الإجتهاد منهاج و أمر شرعي إلا أن الأمة قد تكاسلت عن البحث و التصدي لمستجدات العصر لإنتاج فقه معاصر”
و أشارت إلى إحتياج الأمة لعشرات من أمثال الشيخ العلامة محمد عبده،.. و عند سؤالها عن سبب تقاعس العلماء عن تجديد الخطاب الديني أشارت أنه تنقصنا الرغبة في خوض غمرات البحث و التجديد بما تحمله من صعوبات و عوائق، و قالت :
تنقصنا الإرادة الصادقة لتحمل معاناة البحث العلمي و مصاعب التجديد حيث لا نريد إزعاج عقولنا بالتنقيب بواسطة الأدوات الشرعية المعتبرة التي أقرها الأئمة العظام بغرض إنتاج فقه معاصر يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية و يواكب المستجدات في الوقت نفسه ؛ و دوري كداعية و أستاذة فلسفة إسلامية أن أفكر ثم أصدح بما أراه حقاً ، لذا سبق لي أن قلت أمام مجلس الجامعة المكون من (سبعة و ستين) من عمداء الكليات و من العلماء الأجلاء أن عليهم واجب تجديد الفقه وفق الأدوات و المناهج الشرعية.
( س 5 )
رغم أن الأغلبية العظمى من الفقهاء أجمعوا أن النقاب مجرد عادة لا تستند إلى دليلٍ شرعي من الكتاب والسنة، أو كما قلت سيادتك بأنه ثوب شهرة لا يجوز ارتداؤه …
← فكيف ترين هذة الظاهرة ؟
° فأجابت قائلة :
في الواقع أتعجب من ثقافة النقاب كل العجب ، لأنها ثقافة تجذَرَتْ في الجزيرة العربية كثقافة منقولة عن اليهود قبل أن يطردوا من أرض الإسلام ، فاليهود كانوا يسكنون و يجاورون العرب ويتحالفون مع القبائل العربية حتى خانوا عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فطردهم و أمر بطردهم ، إن الثقافات تتلاقح ومن ثمَّ تؤثر في العادات ، و اليهود أشتهروا بالتشدد ضد المرأة و هذا أنتقل للأسف إلى العربي القديم ثم ظل متوارثاً ، فحينما نقرأ في ” العهد القديم ” أن المرأة التى تخرج كاشفة لوجهها في ساحة بيتها تعد خارجة عن الشريعة اليهودية .
لذا نلاحظ إنتشار النقاب فى يثرب قبل دخول النبى الأكرم ، هذا على خلاف الثقافة السائدة وقتذاك في مكة التي كانت خالية من اليهود ، و لقد تناولت ذلك في كتابي ” دراسات علمية فى المسألة اليهودية ” حيث تناولت تلك الجزئية بتوسع علمي لكي يدرك المسلم ما له و ما عليه و يستطيع التفريق بين الأمر الشرعي و العادة الموروثة، و نلاحظ أن مصر و الشام و المغرب العربى لم يعرف النقاب إلا منذ بضع عشرات من السنوات بينما بقى النقاب فى الجزيرة العربية.
و فصل القول أن الشريعة الإسلامية لم تأمر بتغطية وجه المرأة، فالقرآن الكريم أمر بأن يضربن بخمورهن على جيوبهن أي منطقة الصدر العليا و الرقبة فلو أراد الحق سبحانه و تعالى لقال علي وجوههن، لذا لا يصح إلحاق الموروث كأنه فرض شرعي.
(س 6 )
سبق أن قلت أن للمرأة المسلمة حرية ارتداء ما تشاء طالما كان منضبطاً بمواصفات الزى الاسلامى ..
← فما هي مواصفات الزي المنضبط بالشريعة الإسلامية ؟
° فقالت :
المرأة المسلمة مطالبة بالزي المحتشم بمواصفاته الشرعية كما وردت في الحديث الشريف ، كما أنها مطالبة أيضاً بغض البصر وعدم الخضوع بالقول ، و التعاطي مع المجتمع المحيط وفق قاعدة التعامل بالمعروف ، مع التنبيه على قول الحق سبحانه و تعالى ( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) و هو أمر يشمل الأمة بأكملها لكى تسود العفة ، و شروط الثوب الإسلامي هو الإحتشام المنضبط بالقواعد الشرعية أى : لا يصف ، ولا يشف ، ولا يحدد ، وليس بثوب شهرة أي لا يلفت النظر صوب المرأة المسلمة ، فينسدل الثوب مستقيماً دون أن يلفت النظر، و أحب أن أوجه النصح لبناتي المحجبات بألا يرتدين ملابس تلفت أنظار الرجال صوبهن و أكرر : و ألا يخضعن بالقول.
( س7 )
← هل ترين اننا فى أحتياج الى قانون أحوال شخصية عصري يستند إلى فقهٍ جديد؟
°فقالت “د. نصير” :
نحن في أشد الإحتياج لذلك لاسيما بعد تبدل وضع المرأة بشكل جذري؛ حيث باتت شريكاً فاعلاً و عائلاً للأسرة و كذلك صار عليها واجب وطني تجاه تنمية مجتمعها فلم يعد متاحاً أن ترتد المرأة المصرية لعصور سابقة ، لذا نحتاج إلى قانون يعي المستجدات الجذرية التي طرأت على المجتمع بل و على شخصية المرأة المسلمة ، حيث لم تعد تلك المرأة الخاملة بل صارت تتبوأ المناصب و تتحمل المسئوليات الجسام ، و لذا نحتاج لفهم العصر و متطلباته ثم تطبيقه في فتاوينا و قوانيننا التي لم تزل تتعامل مع المرأة بتلك الصورة النمطية البائدة.
( س 8)
لو تطرقنا لحياة سيادتكم الخاصة مع الأبناء و الأحفاد فما النهج الذى أتبعتيه كأم عاملة تحمل كل هذه العلوم الشرعية ؟
° فقالت :
لقد أتبعت سياسة عصرية في تربية أبنائي أنصح بها كل أم عاملة؛ حيث صادقت أبنائي منذ الصغر و جعلت من العلم وجبة يومية دسمة للجميع، حيث كنت أعمل في أبحاثي العلمية بينما هم يستذكرون موادهم الدراسية فخلقت مناخاً عاماً من محبة العلم و تعمدت أن يكتسبوا طابع البحث العلمي.
– و في ختام حوارها معنا ، وجهت “د. آمنة نصير” نداءً للأسر العربية بضرورة أن نعيد للأسرة هيبتها و دورها كمنظومة إجتماعية و تربوية مع تدعيم أواصر التواصل المباشر؛ و أشارت لكونها تمنع أحفادها من الإنشغال بالهاتف النقال أثناء إجتماعهم الأسبوعي بمنزلها حيث تشكل وسائل التواصل الألكتروني خطراً داهماً على التواصل الأسري.
Categories: أخبار, أعمدة الرأى, المرأة العاملة, المرأة و المجتمع, ثقافة و فنون, سياسة, كلمة و مقال