Menu

هل تبقى الجامعة “العمالية” عمالية ؟! (1/2)

بقلم: طارق أحمد مصطفى

منذ ستينات القرن الماضي وفكرة إنشاء جامعة عمالية مصرية تداعب أحلام النقابيين، خاصة بعد أن بدأوا فى إرسال وفود منهم ومن المثقفين العماليين إلى دول أوروبية ذات ثقل وباع في التجارب النقابية والمنجزات العمالية كألمانيا و كرواتيا (يوغوسلافيا السابقة) وغيرها، واطلعوا هناك على تجربة الجامعات العمالية ومناهجها وطرقها فى التدريس وطبيعة دارسيها وخريجيها، ثم عقدوا لذلك مؤتمرات دولية وندوات محلية من أجل بلورة الفكرة، وحلموا أن تكون مصر هي صاحبة الريادة عربياً في هذا المجال كما كانت هي صاحبة الريادة فى إنشاء مؤسسة للتثقيف العمالي ومعاهد تثقيفية متخصصة.
وفي منتصف السبعينات، وبعد المواقف القوية التي اتخذتها الحركة النقابية المصرية في مساندة الرئيس السادات فى معركة الحرب ومعركة السلام، كان المناخ مهيئاً ليظهر هذ الحلم للنور، واستطاع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وعلى رأسه القيادي النقابي والمثقف العمالى “سعد محمد أحمد” وبمباركة الدولة الحصول على تخصيص بقطعة أرض لإنشاء الجامعة العمالية بمدينة نصر، وكانت الفكرة فى ذلك الوقت أن يعاد دمج معاهد المؤسسة الثقافية العمالية الستة (الدراسات النقابية – التربية العمالية – العلاقات العمالية الدولية – الإدارة العمالية – التأمينات الاجتماعية – الأمن الصناعي) داخل الكيان الجديد ككليات عمالية تشكل كيان تلك الجامعة الشعبية.
وكان الهدف الأسمى من تأسيس جامعة عمالية شعبية أن تقدم تعليماً متخصصاً متحرراً من القواعد الأكاديمية التقليدية سواء من حيث نوعية الدارسين أو المعلمين أو المناهج أو طرق التدريس ونظمه، وتدمج داخل برامجها موضوعات تربط المعارف التي تقدمها بالقضايا العمالية وبالممارسة النقابية، وتساهم بالتالى فى إنشاء جيل من العمال والنقابيين مسلحين بالمعرفة والمهارة والقدرة على الإدارة الكفء للمنظمات النقابية التى تضخم حجمها واتسعت مسئولياتها وتعاظمت التحديات التي تواجهها وتعالت من ثم الآمال المعقودة عليها سواء من أعضاءها أو من المجتمع والدولة بصفة عامة.
وبعد سنوات الإنشاء، تم الافتتاح الرسمي للجامعة في بدايات عهد الرئيس مبارك، وصدر قرار جمهوري رقم 156 لسنة 1985 بإنشاء الجامعة العمالية، وقد ظهر الشكل التنظيمي للجامعة فى هذا التوقيت مختلفاً بعض الشيئ عن حلم البدايات، فقد نُقلت المؤسسة الثقافية العمالية إلى المقر الجديد وتم إضافة قطاع جديد إليها تحت مسمى “قطاع الجامعة العمالية”، فاعتُبرت المؤسسة في هذا الوقت بمثابة حاضنة لهذه الجامعة الوليدة، وقد تفرع عن هذا القطاع سبعة مراكز وهم “مركز الدراسات النقابية” و “مركز اقتصاديات العمل” و “مركز الحاسب الآلى” و”مركز اللغات والترجمة” بالإضافة إلى “مركز البحوث” و”مركز المعلومات”، وأمانة عامة للقطاع.
وبعد ظهور الجامعة العمالية بهذا الشكل التنظيمي أصبحت أدبيات التثقيف العمالي تشير إلى ثلاثة أنواع من التثقيف وهي:
– التثقيف القاعدي أو الأساسي والذي تقدمه مناطق ومراكز المؤسسة الثقافية العمالية المنتشرة فى ربوع الجمهورية،
– والتثقيف المتخصص والذي تقدمه المعاهد المتخصصة والتي أضيف إليها معهداً سابعاً وهو معهد الثقافة السكانية والبيئة.

– والتثقيف العالي: والذي تقدمه مراكز الجامعة العمالية وشعبها في صورة دراسات طويلة أكثر تخصصاً تمتد إلى عامين وتمنح درجة دبلوم، حيث ضم مركز الدراسات النقابية ثلاثة شعب وهي: شعبة التربية العمالية، شعبة الإعلام العمالي ، شعبة الإدارة النقابية. وضم مركز اقتصاديات العمل كذلك ثلاثة شعب وهي: شعبة الإدارة العمالية، وشعبة التعاونيات، وشعبة التأمينات.
ومع بداية تطبيق مصر لسياسات الإصلاح الاقتصادي فى بداية التسعينات، وما مرت به المؤسسة الثقافية العمالية فى هذه الفترة من أزمة مالية – نتيجة لتراجع المشروعات الدولية التي كانت المؤسسة تعتمد عليها فى تمويل انشطتها، نظراً لبعض المواقف التي اختارها اتحاد عمال مصر على الساحة الدولية – فقد بدأت إدارة المؤسسة الثقافية العمالية بالتعاون مع وزارة القوى العاملة فى التفكير فى وسائل للتمويل الذاتي، لذلك ظهرت فكرة إنشاء مركز جديد يضاف لمراكز الجامعة العمالية وهو “مركز الدراسات المتخصصة”، لتقديم برامج للتعليم الفني وفق قواعد وزارة التعليم العالي وتحت إشرافها، وبعد صدور القرار الوزاري رقم 1600 لسنة 1994 وفي ديسمبر من نفس العام انطلقت الدراسة بشعبتين دراسيتين جديدتين وهما شعبة “العلاقات الصناعية” وشعبة “التنمية التكنولوجية”، تمنح الأولى دبلوم تجاري فوق متوسط، وتمنح الثانية دبلوم صناعي فوق متوسط، وقد اعتمدت الشعبتين الجديدتين بنسبة كبيرة فى البداية على الخبرة الفنية لبعض مدرسي ومهندسي المعاهد الفنية الفوق متوسطة الحكومية لحين استكمال كوادرها، مع احتفاظ مناهجهما بخصوصية تقديم مواد متعلقة بالتثقيف العمالي والمفاوضة الجماعية وقوانين العمل وغيرها.
كان إنشاء هاتين الشعبتين خطوة مهمة على طريق التوسع المطلوب للجامعة العمالية، خاصة أنها لم تخرج عن أهدافها وإطارها العام. وقد كان الإقبال على التقديم فى هاتين الشعبتين ملفتاً للنظر، خاصة أن وزارة التعليم العالي فى البداية سمحت بقبول طلاب حاصلين على مؤهلات متوسطة لسنوات سابقة بنظام التقديم المباشر، وهذا ما فتح الباب أمام فئات كبيرة من الموظفين والعاملين المتعطشين لاستكمال تعليمهم، ومنهم من كان يتمتع بذكاء وتفوق لافت ورغبة كبيرة فى التشبث بالفرصة، خاصة وأن شعب الجامعة العمالية الجديدة كانت تؤهل الطلاب المتفوقين فى تلك الفترة لاستكمال التعليم العالى بالجامعات المصرية، وهو ما استفاد منه العديد من الطلاب الذي حالت ظروفهم الاقتصادية دون استكمالهم لتعليمهم العالي.
وقد شجع هذا الإقبال الكبير إدارة الجامعة العمالية على التوسع الأفقي والرأسي، كما شجع الدولة على منح الجامعة الموافقة على منح درجة البكالوريوس من خلال إضافة سنتين تكميليتين للمتفوقين بعد الدبلوم، وتم على مدار الأعوام التالية تأسيس معامل وورش وقاعات ومقرات جديدة فى القاهرة والاقليم، حتى صار للجامعة العمالية أحد عشر فرعاً على مستوى الجمهورية، وأكثر من أربعة آلاف موظف وعامل وعضو هيئة تدريس، لخدمة عشرات الآلاف من الطلاب.
كان ذلك هو الفصل السعيد من قصة الجامعة العمالية، فماذا حدث بعد ذلك تابعونا فى الجزء الثاني من المقال.

Categories:   أخبار الجامعة, إطلالة تاريخية, صوت الجامعة العمالية

Comments

  • Posted: 9 مايو، 2019 18:00

    احمد محمد مصطفى

    اهم شيىء فى هذا المقال والذى سوف يليه انه توثيق رائع لتاريخ انشاء وتأسيس الجامعة العمالية بأسلوب سردى رشيق وسلس يدفع القارى للمتابعة .
    • Posted: 9 مايو، 2019 22:01

      WEA

      خالص الشكر لمتابعك الكريمة ونرجو ان نكون دائماً عند حسن ظنك