Menu

عيد الغطاس .. المصري

يقام في ليلة الغطاس ما يسمى بقداس اللقان ، حيث تقرأ الصلوات و الترانيم على المياة مع تكرار لكلمة .. ” كيريالسيون” و تعني : يا رب أرحم ، و بذلك تصير المياه مقدسة ، بل و تعد بمثابة ينبوعاً للبركة فيتم الإستعانة بها لطرد روح الحسد و الضعف. لقد كان يوم الغطاس في مصر عيداً قومياً، تحتفل به مصر إحتفالاً رسمياً و شعبياً شائقاً بلغ حده أن حاكم مصر نفسه ورجال حكومته .. كانوا يشتركون فيه ، فيأمرون بإقامة الزينات وإيقاد النيران ، و إضاءة المشاعل و تعميم الأفراح الشعبية فى كل مكان ، وتوزيع المأكولات على الأهالى، مع الصدقات على الفقراء، وكان الناس يغطسون فى النيل تبركاً بهذه المناسبة السعيدة.

و يروى “المقريزى” عن عيد الغطاس فيقول :
إنه يُعمل بمصر فى اليوم الحادى عشر من شهر طوبة، وأصله عند النصارى : أن يحيى بن زكريا عليه السلام ، المعروف عندهم بيوحنا المعمدان عمد المسيح ، أى غسّله فى بحيرة الأردن ، وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء، أتصل به الروح القدس ، فصار النصارى لذلك يغمسون أولادهم فى الماء فى هذا اليوم وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا فى شدة البرد ، ويسمّونه يوم الغطاس ، وكان له بمصر موسم عظيم إلى الغاية.

و لما تولى الأخشيديين الحكم كان لليلة الغطاس شأن عظيم ، و كان الناس- مسلمون ومسيحيون- لا ينامون فى هذه الليلة وقد حضر الأمام المسعودى صاحب “مروج الذهب” سنة (330 هـ) ليلة الغطاس بمصر ، و الأخشيد محمد بن طفج أمير مصر فى قصره ، فى جزيرة منيل الروضة وقد أمر بإقامة الزينة فى ليلة الغطاس أمام قصره، من جهته الشرقية المطلة على النيل، وأوقد ألف مشعل، غير ما أوقد أهل مصر من المشاعل والشموع على جانبى فرع النيل.. وقد حضر فى تلك الليلة آلاف البشر، من المسلمين والمسيحيين، ومنهم من احتفلوا فى الزوارق السابحة فى النيل، ومنهم من جعلوا حفلاتهم فى البيوت المشرفة على النيل ومنهم من أقاموا الصواويين على الشواطئ مظهرين ما لا يُحصى من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجواهر.. و كانوا يقضون ليلتهم فى اللهو والعزف على آلات الطرب ، والتحلى بالجواهر الثمينة والزينة.

بعد الأخشيديين آل حكم مصر إلى الخلفاء الفاطميين (969-1171م ) فجعلوا مصر مستقراً لهم ، وعطفوا على كل المصريين على إختلاف مذاهبهم ، ومنهم الأقباط ، فقربوهم إليهم ، و جعلوا أعيادهم أعياداً رسمية فى البلاد ، أشترك فيها الخلفاء أنفسهم كأعياد النيروز و الميلاد و الغطاس. فكانوا يُخرجون من خزائنهم العطايا ، ليوزعونها على رجـال الدولة ، لا فرق بين مسلم ومسيحى! فكان إذا جاء عيد الغطاس يوزعون على الموظفين : الليمون، والقصب، والسمك البورى.. وكان ذلك برسوم مقررة لكل شخص ، وإذا رأينا إقبال الناس على تناول القصب فى هذه الليلة ، و إعتباره من عادات ورموز العيد فنذكّرهم بأن هذه العادة القديمة أدخلها الفاطميين فى رسوم دولتهم. كانت الخيام تُنصب على الشواطئ ، و يأتى الخليفة ومعه أُسرته ، من قصره بالقاهرة إلى مصر القديمة ، وتوقد المشاعل فى البر والبحر ، وتظهر أشعتها وقد أخترقت كبد السماء لكى تزينها بالأنوار البهية ، ثم تُنصب الآسرة لرؤساء النصارى على شاطئ النيل فى خيامهم ، وتوقد المشاعل، ويجلس الرئيس مع أهله ، وبين يديه المغنون ثم يأتى الكهنة والرهبان وبأيديهم الصلبان ، ويقيمون قداساً طويلاً ربما (قداس اللقان) .

و ذكر “بن إياس” :
إن نهر النيل كان يمتلئ بالمراكب والزوارق، ويجتمع فيها السواد الأعظم .. من المسلمين والنصارى، فإذا دخل الليل تُزين المراكب بالقناديل ، وتُشعل فيها الشموع ، وكذلك على جانب الشواطئ يُشعل أكثر من ألفى مشعل وألف فانوس، وينزل رؤساء القبط فى المراكب، ولا يُغلق فى تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق، ويغطسون بعد العشاء فى بحر النيل، النصارى مع المسلمين سوياً، ويزعمون أن من يغطس فى تلك الليلة يأمن من الضعف فى تلك السنة.

Categories:   إتصل بنا

Comments