Menu

أحبها من جديد  

قصة قصيرة بقلم: صابرين عبد الرحمن

نظر في وجه أخته نظرة تملؤها الأسى لما وجد من علامات تقدم العمر والتعب والارهاق، وتكاد تتشابه ملامحها مع ما حفرته له ذاكرته بها فلقد تغيرت تغيراً كبيراً، ولكن ما تزال هي نفس الروح، نفس القلب، نفس الصوت، ونفس الضحكة، فتألم كثيراً لما يبدو عليها، ومن امتعاض زوجها منها، ونفوره وابتعاده عنها، فهو لا يتوانى كل حديث أن يذكرها بما أصبحت عليه وسوء حظه في النساء وغيرته من زوجات أصحابه وغيرهن من النساء الجميلات حوله في العمل .
أطلق زفرة من صدره كادت أن تخترق صدر أخته فنظرت إليه مبتسمة، وكأنها تطمأنه على حالها وأنها ليست مستاءه مما يحدث ويقال .
ابتسم لها هو الآخر وذهب تفكيره تلقاء زوجته التي تجلس بجانبه، وقال لنفسه أنه يذكر جيداً عندما التقى بها لأول مرة في منزل أمه لتزور أخته فأبهره جمالها الطفولي ورشاقتها وابتسامتها الجميلة المشرقة، فكان حلمه وقتها أن يتحدث معها ولو دقائق، ومنتهى سعادته عندما تنظر إليه وتبتسم له .
وعندما حان وقت الزواج كانت فتاة أحلامه هي حلم كل شاب فهي مثقفة ومتدينة وصغيرة وقوامها رشيق غض، وقد أصبحت ملكه هو فقط .
كانت بالنسبة له ورقة اليانصيب الرابحة التي يحسده عليها جميع أقرانه وأقاربه.
ومع تقدم العمر أصبحت هي الأخرى ….
وسكت حديثه مع نفسه للحظة وتساءل أصبحت ماذا ؟
وكذلك أنا أصبحت..
أراها كما يرى زوج أختي أختي ..
أشعر أني سيئ الحظ وأن الرجال من حولي يحظون بنساءٍ أجمل منها. ونسيت أنها أمضت عمرها كله وزهرة شبابها بين يدي وتحت قدمي، تتمنى رضاي وتلبي كل رغباتي وأنجبت لي اولادي قرة عيني،
وتجاعيد وجهها وخصلاتها البيضاء ماهي إلا نتيجة عطاء مستمر، وحب استهلك قواها وروحها وبدنها،
فهل تستحق مني هذه النظرة ؟!
نعم أنا لم أجرحها بكلمة ولا فعل، ولكن يكفي أفكاري وأنانيتي، بأن يبدو ذلك على وجهي، فتشعر هي بالحزن والضعف وقلة الحيلة، فهي تعلم ما أشعر به وما يدور في نفسي وأحلامي الضائعة، ولكنها لا تنطق، لا تتذمر، لا تواجهني. فقط تصمت وتتألم، وتبتعد أحياناً وتقترب أحياناً.
وبعد فترة صمت وتفكير عميق قطعتها أختي وزوجها قائلين: اتفضلوا الغداء جاهز .
فألتفت لزوجتي وعلى وجهي ابتسامة لم تعتد أن تراها على وجهي، وامسكت بيدها أقودها إلى غرفة الطعام وهي تنظر لي بأندهاش واستغراب تكاد تفقد عقلها ولا تنطق .
قلت لنفسي أجل أنها زوجتي التي طالما حسدني عليها الكثير، فأنا الفائز بها ومازالت بجانبي، ومازالت لدي الفرصه لكي أسعدها كما كانت دائماً سبباً في سعادتنا أنا وأبنائي.
رجعنا البيت والسعادة ترتسم على وجهها، ورأيت نفس الطفلة التى كانت بالأمس، واليوم أنا أحسد نفسي وأشكرها أنها أعطتني الفرصة لكي أحبها من جديد.

Categories:   أدب ونقد, المرأة و المجتمع

Comments