Menu

كورونا .. و نظرية مناعة القطيع

بقلم : أ. د. محمد نور فرحات*


 تأملات في إيديولوجيا ذئاب الغابة 

رئيس الوزراء البريطاني ألقي خطاباً مرعباً دعا فيه الناس وخاصة من كبار السن إلي وداع أحبابهم و إستقبال الموت الذي سيأتي به فيروس كورونا ؛ وتحدث عما أسماه بنظرية مناعة القطيع “herd immunity” ، و جوهر هذه النظرية المتوحشة التي تروج لها الرأسمالية الأكثر توحشاً تنتهج معاملة الفيروس بمنطق (دعه يعمل دعه يمر ) ، بمعني : فلندع عوامل الانتخاب الطبيعي تؤتي أثرها لتموت جحافل الضعفاء حتي تكتسب أقلية الأقوياء مناعة في المستقبل ضد الفيروس ، فيكون بوسعها أن تقاومه مقاومة طبيعية ، و هذا الكلام ليس جديدا علي منظري الوحشية الانسانية ، فمن قبل تحدث “آدم سميث” الأب الروحي للفكر الرأسمالي في كتابه ( ثروة الأمم ) عن الأيدي الخفية invisible hands التي تحرك الإقتصاد نحو التقدم وأنه لا يجب وقف عمل القوانين الطبيعية .
كما تحدث “ويليام جيمس” فيلسوف البراجماتية عن وظيفة الدولة كحارس لشطآن النهر حتي ينساب تياره دون عوائق ، هذه الأفكار كانت قد توارت تحت وطأة ردود الأفعال ضد المظالم والمآسي الاجتماعية التي ترتبت علي تطبيقها الفج ، و كذلك بفعل ثورات الشعوب ضد الظلم في سعيها الدؤوب للعدل ؛ ولاحت في الأفق بشائر المجتع الاشتراكي لاسيما حين تبنت المجتمعات الرأسمالية نموذج دولة الرفاة welfare state.
و اليوم وبعد قرون من تواري أفكار التوحش الاجتماعي يعود هؤلاء السفاحون ذوي الوجوه الملساء ليحدثوا البشرية عن مناعةالقطيع ..! ، الدرس الذي لم يتعلموه رغم مرور القرون ومأساوية التجارب أن القانون الطبيعي للمجتمعات ليس معادلة القوة وحدها بل لابد و أن توازنها معادلة العدل .
وسوف يعيد القطيع التوازن لكفتي الميزان ، ورغم أن ما وراء الحجب ما زال غير منظور إلا أنه في الأفق تلوح بشائر شمس سقوط عصر العولمة المتوحشة وعودة الخير والعدل كقيم حاكمة .

* أستاذ فلسفة و تاريخ القانون.
الحائز على جائزة الدولة التقديرية.

Categories:   أعمدة الرأى

Comments