Menu

ماذا يخبرنا علم إدارة الأزمات عن التعامل مع كورونا ؟

بقلم: طارق أحمد مصطفى

في تعليق للأستاذ/ عبد المنعم الجمل نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر على موقع الفيس بوك ، أشار إلى أهمية تدريب المؤسسات على علم إدارة الأزمات فى هذه الفترة التي تدور بها رحى أزمة فايرس كورونا COVID-19، في إشارة إلى ما ينبغي أن تهتم به المؤسسة الثقافية العمالية في الفترة القادمة فى مجال التدريب. وهذه إشارة مهمة تشير إلى أن قيادات كافة المؤسسات الوطنية بما فيها النقابات العمالية قد أصبحت على وعي كامل بما ينبغي أن تضعه فى أولوياتها في هذه المرحلة الحرجة التي نعيشها. حيث أثبتت هذه الأزمة أن علم إدارة الأزمات ليس رفاهية ولا ديكور تزين به المؤسسات اجتماعاتها وهياكلها التنظيمية، ولكنه ضرورة صارمة من أجل سرعة الاستجابة والتعامل الفعال مع الأزمات الطاحنة الشاملة ، التي لا تُلم بمؤسسة ما أو قطاع ما ولا بمنطقة جغرافية ما ولكنها تلم بالجميع أفراد ومؤسسات خاصة وعامة وحكومات وتطيح في طريقها بالكيانات الهشة والأوضاع الهشة التي ربما لا تكون ظاهرة للعيان ولكن تنكشف حقيقتها في عنفوان مثل هذا النوع الأزمات، التى صارت – فيما يبدو – هي طابع الأزمات المحلية والعالمية هذه الأيام.
وقد علمنا علم إدارة الأزمات، أن تدهور الأزمة وتحولها إلى كارثة هو أمر مرهون بعدة أشياء من أهمها أولاً: الاستهانة المبدئية والتأخر فى الاستجابة، وثانياً: ضعف الموارد المتاحة لاحتواء الأزمة، وسوء ادارة هذه الموارد. فبالنسبة لأولاً: ترجع الاستهانة والتأخر فى الاستجابة في الأساس للضبابية وغياب المعلومات، وغياب نظام فعال مُفعّل للإنذار المبكر. حيث أن من طبيعة الأزمة “المفاجأة” أي أنها لا تكون متوقعة، و”الجدة” أي أنها ليست قديمة معتادة لها حلول معروفة مسبقاً، ومن ثم فعلم إدارة الأزمات هو الذي يعرفنا كيف نستعد للأزمات المحتملة من خلال بناء آليات لجمع المعلومات الدقيقة والصحيحة والتفصيلية، وهذه الآلية هي جزء من نظام شامل للإنذار المبكر، لا يكتفي فقط بجمع المعلومات ولكنه يحاول كذلك التنبؤ بها ويدرس احتمالات تطورها وتفاقمها وتحول سلوكها، ويبني سيناريوهات محتملة لها، ويضعها بين يدي متخذ القرار قبل الأزمة بوقت كافى لمساعدته فى اتخاذ القرارات المطلوبة لتفادي الأزمات وتجنبها. ولا شك أن بناء نظم الإنذار المبكر يعتمد بالنسبة الأكبر على المعلومات التاريخية المعروفة من الأزمات السابقة مع إضافة التحليل والتخيل، وكلما استطاع الناس التعلم من الأزمات السابقة كلما استطاعوا تحصين أنفسهم بنظم إنذار مبكر أكثر حساسية .
وبالنسبة لثانياً: وهو ضعف الموارد المتاحة لاحتواء الأزمات، فإن كلمة “احتواء” هنا تشير إلى أن من يدير الأزمات أثناء حدوثها ربما لن يستطيع منعها أو تجاوز خسائرها، فالأزمة طالما حدثت لابد لها من خسائر وإيقاف للأوضاع الطبيعية، ولكن نجاحه يكون مرهوناً بمدى قدرته على احتواءها حتى لا تنفلت وتتسع ويصعب السيطرة عليها كما يعتمد نجاحه على مدى قدرته على العودة سريعاً للوضع الطبيعي، وهذا الأمر يتطلب منه موارد مادية وموارد بشرية، لذلك يحرص مسئولو إدارة الأزمات على وجود احتياطيات كافية من الموارد المادية سواء كانت أموال أوخامات أو معدات، وتزيد نسبة الاحتياطي كلما أرتفع مستوى الخطر وزاد عدم التأكد. أما بالنسبة للموارد البشرية فالعبرة ليست بالعدد فقط ولكن قبل كل شيئ بالنوعية، لذلك فإن المسئولين عن إدارة الأزمات يحرصون على تدريب مجموعة مختارة من الكفاءات الفنية والإدارية وإعادة تدريبهم كل فترة والتحديد الدقيق لأدوارهم وحدود صلاحياتهم، وذلك ليكونوا جاهزين حينما يتم استدعاءهم عند اللزوم كلما لاحت أزمة فى الأفق. ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك ما يتم من تدريب للجان السلامة والصحة المهنية فى الشركات ليكونوا مستعدين لمواجهة أية كوارث صناعية محتملة فى أماكن العمل. والتقاعس عن إعداد احتياطي كافي ومناسب من الموارد المادية والبشرية الجاهزة للعمل والاستفادة منها فى الوقت المناسب يكون إيذاناً بانفلات الأوضاع وتدهورها في حالة وقوع الأزمات.
ومما يعلمنا إياه علم إدارة الأزمات، إن إدارة الأزمة لا تكون فقط بالتوجه المباشر لجوهر الأزمة ومحورها، فمواجهة اندلاع حريق لا يكون فقط بإعداد معدات الإطفاء وتوجيهها بشكل صحيح نحو مصدر النيران لإطفاءها، وكذلك مواجهة أزمة مثل تفشي فايرس كورونا لا تكون فقط بسرعة رصد الحالات وتوفير الرعاية الصحية العاجلة لها وتوفير الأدوية والمستلزمات، لأن هناك عوامل كثيرة ربما تعوق أي جهود لعلاج جوهر الأزمة وتتسبب لها فى تداعيات غير متوقعة. ولعل أهم هذه العوامل هي العوامل النفسية والسلوكية للبشر أثناء الأزمة. فمن المعروف أن الأزمات تتسبب فى إيقاف التصرفات الطبيعية للبشر، وتغيير نمط سلوكهم من السلوك العقلاني إلى سلوك غريزي أناني مدفوع بالخوف والهلع والرغبة في النجاة الفردية على حساب الآخرين. كما أنه خلال الأزمات يتفشى الشك وعدم الثقة مما يجعل الناس يقومون بتصرفات كارثية سواء بحسن أو بسوء نية، كما تكون الأزمات مناخاً خصباً لتفشي الشائعات ونظريات المؤامرة. وهنا يؤكد علم إدارة الأزمات أن احتواء التداعيات النفسية للأزمات على البشر لا يقل أهمية عن العمل مع جوهر الأزمة نفسها، ويتلخص هذا الاحتواء النفسي في محاولة السيطرة على جموح هذه الانفعالات وتوجيهها وتحويلها لعمل إيجابي لصالح تجاوز الأزمة، وهو أمر لا يتطلب فقط جهد علمي وتنظيمي ولكن يتطلب كذلك مهارات تواصل عالية وكاريزما قيادية قادرة على بث الثقة وتأكيد المصداقية.
وما أشبه القيادة وقت الأزمات بممارسة لعبة “الروديو” الشهيرة فى أسبانيا وفي الغرب الأمريكي، حيث يكافح اللاعب في السيطرة على حصان جامح غير مروض دون الوقوع من على ظهره. وما أشبه مهارات التواصل وقت الأزمات بالحاوي أو المهرج الذي يحاول إبهار جمهور بليد وملول والسيطرة عليه والاستحواذ على انتباهه. وما أحوج من يدير الأزمة إلى الثبات الانفعالى الشديد الذي سيحتاجه بشدة ليستطيع بث الأمل والتفاؤل في قلوب الناس بينما هو محتفظ بتشاؤمه وحذره الشديد، وما أحوجه إلى الالتزام الأخلاقي الكبير بتحمل المسئولية والصمود فى وجه الأزمة حتي يستطيع بث الثقة في الناس واستدعاء استجابتهم الإيجابية، وما أحوجه إلى دقة الملاحظة والانتباه الشديد للقدرة على رصد سلوك الأزمة وملاحظة العوامل الخفية التي قد تتسبب فى اشتعال الأزمات وخروجها عن السيطرة. وكذلك ما أحوجه إلى المرونة الفكرية والتفكير الإبداعي الذي يمكنه من إيجاد حلول غير تقليدية للأزمات التي هي بطبيعتها غير تقليدية. وأخيراً وليس آخراً، ما أحوجه إلى الحسم والجرأة فى اتخاذ القرار حتي يمكنه اتخاذ القرارات الحرجة قبل الوصول إلى الوقت الحرج.
تلك بعض الأفكار التي استخلصناها من علم إدارة الأزمات والتي نحتاجها بشدة لمواجهة أزمة كورونا والأزمات الأخرى التي ستتسبب فيها كورونا، وسنحتاجها حتماً في عالم مشحون بالأزمات وموبوء بمن يفتعلونها.

Categories:   أعمدة الرأى

Comments

  • Posted: 14 أبريل، 2020 00:19

    وجيه عبد المولي

    بالتوفيق دائما ا. طارق احمد مصطفي
  • Posted: 20 أبريل، 2020 00:00

    طارق أحمد مصطفى

    خالص الشكر أخي العزيز وجيه