Menu

لطائف بلاغية

بقلم : أ. د . أحمد فتحي  الحياني 

 وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَتِي…” الأحقاف /١٥ .
هذه الجملةُ من ضمن دعاءِ المؤمنِ المحسِن بوالديه وردت في سياق آية عظيمة مباركة تؤسِّسُ منهجًا أُسَريًّا إنسانيًا راقيًا في حياةِ المسلمين .
لاتعرفه أمةٌ غيرُها إحسانًا بالوالدين كما عرفته هي وامتازت به .
وصية من الله – سبحانه – :
” وَوَصَّيْنَا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” .
ولمَّا كان من نِعَمِ اللهِ على هذا المؤمن المحسن ( الإحسان بوالديه ) ، فإنّ من هذه النِّعم التي تدل على صلاحه أيضا (الدعاء ) الدائم لهما في حياتِهما وبعد مماتِهما .
وهو يدعو ربَّه دعاءَ المتضرِّعِ الشاكرِ له أيضا بأن يُصلحَ اللهُ له ذرِّيتَه فتكون محسنةً به .
واللافت في البيان القرآني — وهو الذي أراد المنشورُ بيانَه — أنه قال :
” وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ” ، ولم يقل :
(وأصلح لي ذريتي ) ، أي : عدَّى البيانُ القرآنيُّ الفعلَ الأمريَّ الدعائي :
( أصلح ) بحرف الجر ( في ) ، علما أنّ هذا الفعل ( أصلح ) يتعدَّى بنفسه في العربية . مثل قوله – تعالى – : ” وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ… ” الأنبياء/٩٠ .
وفي هذه التعديةِ ب ( في ) بلاغةٌ تصويرية ، صوّر فيها هذا الحرف الوعائي ذرِّيتَه وعاءً أو ظرفًا يحتوي على الصلاح والإصلاح .
فهو صلاح متغلغل فيهم متمكِّنًا من قلوبهم يجري في عروقهم ودمائهم ، وقد لحظ ذلك بعض العلماء ، فليس هو صلاحًا بالظواهر فحسب ، وإنما هو ببلاغة الحرف صلاح الظاهر والباطن ينعكس سلوكا عمليا في الواقع رحمةً به وإحسانًا ، كما كان هو بوالديه رحيمًا محسِنًا .
وجزاءُ بِرِّ الوالدَين والإحسانِ بهما ، أو عقوقِهما يكون الجزاءُ بهما من جنس العمل في الدنيا قبل الآخرة كما هو مُشاهَدٌ معلوم .

Categories:   الإعجاز فى القرأن و السنة

Comments