Menu

لقد صادقت الحيوان

بقلم : عبير سمير

أشار عليّ قريبٌ مؤتمن ، بأن أقوم بتربية قطةً في منزلي ، حيث كنت حينذاك أمر بظروف نفسية قاسية ، وذلك حتى يتحسن مزاجي وأُفرغ معها قدراً من مشاعري مما قد يساعدني على تجاوز هذه الأزمة .

فى بادئ الأمر لم أهتم بالأمر لعدم رغبتي فيه ، فلم يكن يراودني التفكير أصلاً في الدخول في هذه التجربة .. نعم إنها تجربة ومن التجارب شديدة التأثير في حياتي .. علمت ذلك حينما خضتها .

و بالفعل ، أهداني إيّاها ذلك العزيز .. و من أول وهلة حملت فيها تلك القطة الرضيعة الصغيرة ذات الشهرين – بين كفيّ – فإذا بصدري ينشق لها فولجت لقلبي مباشرةً ، و أصطحبتها إلى منزلي وشعرت أنى لا أحملها بيدي بل أحملها بقلبي وأخذتها فى صدري وكأني أحمل طفلتي ، وانطلقت الصغيرة في رحلة التعرف على كل شيء داخل منزلي ، وحين كانت تتجول شعرت بالانشراح وتجددت حياتي بهذه الضيفة التي لم أحسب لها حسباناً ، وبدأت رحلة العطاء المتبادل بيننا فصرت أوليها كل حبي واهتمامي ، فبادلتني أكثر ما أعطيتها فحين أُطعمها إذ تُقبل عليّ تنظر إليّ بامتنان بعينيها اللامعتين ، وحين أدنو منها ألاعبها تُقبل عليّ فتُفيض دنياى بالمرح ، أمسح بيدي عليها فتلتف حول يدي وتلعقها بكل الحب ، وإذا مرضت أو أنتابتني لحظات الحزن تنظر إليّ بحنان فياض ولا تتركنى حتى تزيل ببريق عينيها كل الكدر ، إني أوقن أنها باتت تسمعني حين أشكو .. حتى أصبحت أبوح لها بما يجيش بداخلي وأُسرُّه إليها ، فإذا بها تقف أمامي بإنصات ناظرةً و مهتمةً .. فاحتضنها حباً فتغمرني حنيناً .

أما و قد وصل حد الارتباط بيننا إلى أنى شعرت حين مرت تلك الصغيرة بتجربة أليمة ، حيث أنها قد صارعت الموت حتى صرعته لأجلي ، كيلا تفارقني و تظل تعيش بجواري و تظل تحيطني بوداعتها الغامرة.

كيف فاضت تلك المشاعر من حيوان صغير ؟ ، لكنني لم أعد أعتبره حيواناً بل إنساناً صامتاً بمعنى الإنسانية التي نتوق إليها وونحتاجها من كل من حولنا ، ولو تبادلنا بيننا تلك الروح والمشاعر والعطاء لَصفت نفوسنا و تحسنت أمزجتنا وتعلمنا الرحمة فيما بيننا .
آهٍ من رحمة الحيوان بالإنسان فالعطاء بالعطاء ، فما بال عطاء الإنسان بالإنسان .
وقد يظن البعض أنها تجربة عادية فهذه الحيوانات تملأ الشوارع ، ولكن التجربة القريبة جعلتني أقف إجلالاً لحكمة الله الكامنة في أضعف مخلوقاته وأقول حقاً .. لقد صادقت الحيوان .

Categories:   أعمدة الرأى

Comments