Menu

لو كان التقشف رجلا ..!

بقلم : عبدالله عبدالسلام*

طيلة السنوات العشر الماضية ،كانت الكلمة السحرية، الحل للأزمة المالية والإقتصادية التى ضربت العالم عام 2008. فرغت عقول المسئولين وخبراء الإقتصاد من أى أفكار إلا هى.
عندما تعرض ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق للانتقادات بسببها، قال: أنتم تسمونها تقشفا وأنا أعتبرها كفاءة بإدارة الأقتصاد.

لم يكن للتقشف ،و هو مجموعة سياسات حكومية لخفض الإنفاق من خلال تقليص الخدمات العامة، بهدف خفض عجز الموزانة ، تأثير اقتصادى فقط بل تسبب فى تحول كامل بالخريطة السياسية بالغرب. فى ألمانيا، طبقت حكومة التحالف الكبير بين المسيحيين الإجتماعيين والحزب الإشتراكى سياسات تقشفية حادة ، و ألتزمت حكومة التكنوقراط الإيطالية عام 2012 ببرنامج قاس تنفيذاً للقواعد الصارمة التى فرضتها ألمانيا على منطقة اليورو ، وسارت بريطانيا وفرنسا ودول أخرى على نفس الدرب.
فكانت النتيجة هي وصول اليمين المتطرف والشعبويون للبرلمان أو للحكم على أسنة رماح الغضب الشعبى الكاره للتقشف وتداعياته السلبية. تعهد المتطرفون بوقف إستخدام الدواء الذى وصفه الشعبوى البريطانى “نايجل فاراج” بأنه يقتل المريض و شرعوا بسياسات بديلة إضافة لوقف الهجرة وإغلاق الحدود وخفض المساعدات للدول الفقيرة. لم يكن غريباً إذن ،بعد خسارات الأحزاب التقليدية الانتخابات تلو الأخرى، أن ينبذ زعماء كثيرون التقشف و أخرهم رئيس الوزراء البريطانى “جونسون” الذى أعلن مؤخراً وقف إجراءات تقشفية طبقتها حكومات المحافظين على مدى سنوات.

“بول كروجمان” الإقتصادى الأمريكى الحائز على نوبل ، كتب منتقداً التقشف والتقشفيين ،أى مجموعة الخبراء والسياسيين الذين كلما لاحت أزمة إقتصادية يكتبون روشتة من بند واحد: التقشف، غير مبالين بآثاره الجانبية شديدة السلبية. المفارقة، أن تقريراً للمعهد الوطنى البريطانى للبحوث الإقتصادية، كشف أن أداء الإقتصاد البريطانى فترة التقشف كان أسوأ منه خلال سنوات الكساد العظيم بالثلاثينات.

التقشف، حسب “جون مانيارد كينز” الإقتصادى البريطانى وصاحب النظرية الكينزية الشهيرة ، يصلح لزمن الطفرة الإقتصادية، وليس حينما يكون الإقتصاد بقبضة الركود.
إذا سقط الجسد عليلا، فالحل ليس فرض ريجيم قاس يمكن أن يودى بحياة الشخص بل تشجيعه على تناول ما يستطيع من طعام لكى يستعيد عافيته من جديد.

* كاتب صحفي ، مدير تحرير الأهرام.

Categories:   أعمدة الرأى, تثقيف عمالى

Comments