Menu

المخاطر غير المرئية لفايروس كورونا المستجد (منظور آخر)

بقلم : هاني إبراهيم
خبير دولي في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني

تزدحم وسائل الإعلام ليلاً نهاراً بأخبار فايروس كورونا المستجد COVID-19. يوميا تبدأ الأخبار بعرض إجمالي عدد الوفيات في الدول الكبري والمستهدفة إعلاميا ثم تتجه إلي أعداد الإصابات ثم يتبعها الإجراءات المتعلقة بالعزل المنزلي والإغلاق الجزئي أو الكلي للدول والعقوبات التي سوف تطال كل من يكسر أو يتهاون في الإجراءات الخاصة بالوقاية من الفايروس، ثم نتجه بعدها إلي أخبار التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن إنهيار البورصات العالمية وأسواق النفط والتباطؤ الإقتصادي والمخاوف من التدافع السكاني علي المنتجات الغذائية أو أزمة توافر الأجهزة الطبية والطواقم الصحية وهكذا تمضي بنا الأيام.

في ظل هذه الصورة الإخبارية والتعميم الكوني للأخبار ما بين سوداويتها وما بين اخباريتها، نجد أنفسنا أمام أزمة عالمية لم تشهدها الكرة الأرضية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية و عليه فإن معالجتها بطريقة شمولية أو معالجتها بطريقة إدارة الأزمات الكبري large scale global risk-management تفتقد للكثير من الخبرات المطلوبة.

فرغم أن الحظر والإنعزال والإصابة بالفايروس يطال الجميع إلا أن الجميع ليسوا علي قدم المساواة social inequality تماما في ذلك. فطالب المدارس من ذوي الخلفيات التعليمية المتطورة والقاطنين للأماكن الهادئة ستتاح لهم إمكانيات التعلم عن بعد online education بشكل ممتاز ومنها توافر سرعات عالية للإنترنت والطابعات printers وأجهزة الكمبيوتر وأولياء أمور متعلمين لديهم الوقت لمتابعتهم، في حين أن أطفال المدارس من ذوي الخلفيات الأقل حظاً سينالون تعليماً أقل في ظل بيئة تتسم بالعشوائية أو الفقر أو الحرمان من مثل هذه الوسائل التعليمية.

علي الجانب الآخر ، العزلة المنزلية ليست بالشئ الطيب لمن يعانون من الضغوط النفسية والأفكار السوداوية والإحباط والإضرابات الذهنية والنفسية psycho and mental health disorders… كانت المولات التجارية والكافيهات ودور السينما والمسارح والمنتديات الثقافية عبارة عن أماكن للتفريغ النفسي والتعاطي مع المشكلات العالقة في داخل النفس البشرية. الحرمان من كل هذه الأماكن يزيد من تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية والإنغماس في الأفكار السوداوية. وعندما يحين وقت الخروج من حصار كورونا نكون قد وقعنا في براثن الإضرابات الذهنية القاتلة. فالكثير من الدراسات تشير إلي أن ضحايا الشعور بالوحدة والإنعزال loneliness and self-isolation قد يكون أكثر من ضحايا الأمراض الناتجة عن الفايروسات مجتمعة.

بُعد آخر يمكن تلمسه في قضية الإنعزال المنزلي وهو الإضرابات المنزلية أو العنف الأسري violent households، فليس من المستبعد تزايد العنف المنزلي نتيجة تواجد جميع أفراد الاسرة لفترات طويلة مع بعضهم وإختلاف رؤيتهم للأمور والأعباء المنزلية.
كما يتوقع أطباء النساء والولادة في مختلف بقاع الأرض أن يحدث إنفجار سكاني baby booming كنتيجة جانبية لتواجد الأزواج لفترات طويلة بالمنزل، وهي مشكلة سيعاني منها الجميع بعد أن تهدأ الأمور في ظل تحديات كبيرة لمدي توافر الموارد الطبيعية لسد إحتياجات السكان.

وعلي المستوي الدولي نشهد إنحصار شديد في الإهتمام بالقضايا الدولية الأخري ، فكأن العالم توقفت صراعاته الأخري. ننشغل بكورونا ونتائجها في حين أن حروب اليمن وليبيا وسوريا لم تنتهي، والقضية الفلسطينية لم تشهد أي تحسن يذكر. كما أننا منشغلين عن قضايا التغير المناخي وتأثيراتها التي طالت الجميع شرقا وغربا ، نتغافل عن أزمة اللاجئين السوريين العالقين بين تركيا وأوربا والصراعات العرقية في غرب أفريقيا والتنظيمات الإرهابية والداعشية في دول وسط أفريقيا (دول الساحل والصحراء) وجماعات القرصنة الإلكترونية والإتجار في البشر وتجارة المخدرات وكلها عابرة للحدود وهي الوحيدة التي لم تغلق في وجهها.

من الضروري أن نتخذ الحيطة والحذر من مضاعفات فايروس كورونا ولكن من المهم أيضا أن نولي الإهتمام بالقضايا المحلية والدولية الأخري حتي لا يكون ثمن علاج كورونا هو إنهيار المجتمعات بشكل يصعب معه إصلاحها ويكون العلاج أشد آلما من المشكلة ذاتها.

Categories:   أعمدة الرأى

Comments