Menu

أمي ليست ربة منزل ..!

بقلم الكاتب : محمد عبد الباسط عيد

المرأة في الريف حتى وقت قريب كانت تعمل في الحقول مثل الرجل ، لم تكن تساعده فحسب بل كانت تعمل وتتقاسم معه العمل : تزرع و تروي الزرع ثم تجمع المحصول، وتقوم على خدمة البهائم في البيت ، وأختصت وحدها بعملية “الحلب” ، وفوق هذا كله تقوم – وحدها – بأعمال البيت وخدمة أبنائها، وهذه مهمة لم يكن الرجل الريفي يساعد فيه ، كانت المرأة في هذا العالم خبيرة وقديرة ، ربما لا تتصدر الواجهة ، وقد تبدو لك مجرد تابع منكسر للرجل ، ولكنها داخل الجدران كانت تقول و تشير .. بل وكثيراً ما كانت تتحكم وتفرض رأيها.
ظلت هذه الصورة هكذا حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي ، وهو الزمن الذي أنقلب فيه الريف رأسا على عقب ؛ فبعد التوسع الكبير في كهرباء الريف ، ودخول التليفزيون كل بيت ، و إنتشار التعليم ليشمل جميع الفتيات، وتضاعف أعداد السكان، حلت المباني ذات الأعمدة الخرسانية محل البيوت القديمة ….ألخ
في بداية التسعينيات كنت أساعد أمي في استخراج بطاقة شخصية وجواز سفر كي تذهب إلى بيت الله الحرام ، وكنت شغوفاً بمعرفة المكتوب في خانة الوظيفة، وحين رأيت هذه العبارة:
“ربة منزل” ..!
قلت للسيد الموظف – وقد تداعت على رأسي مشاهد محددة من أفلام الأبيض والأسود وسيدات القاهرة اللواتي لا يعملن شيئاً غير إنتظار الزوج الذي سيأتي في الثانية بعد الظهر حاملاً بطبيخة في الصيف:
أمي ليست ربة منزل…!!
سألني مستفهماً : وما عملها إذن ؟
قلت له : إنها هي المنزل ، هي المنزل كله ، هي حدائق الجوافة والبرتقال ، هي هذه الأرض التي اشتراها أبي وسُجلّت بإسمه ، هي من هندسها على هذا النحو ، وهي من وضعت لي حجرة مستقلة في تلك الناحية من البيت ، وهي التي تجهز الطعام الذي سوف نأكله بعد ساعة ، وتفكر في مستقبل أحفادها الذين لم يأتوا بعد ، وهي التي ترسم لي مستقبلاً جميلاً ، وتنهرني حين ترى تقاعسي في المذاكرة ، وهي التي تختار الأصعب ، وتفرض الأصعب، وهي من أورثتني إتقاد المشاعر ، وأيقظت حواسي كلها ، وعلمتني كيف أستقبل العالم …
أهذه ربة منزل..؟!!

Categories:   أعمدة الرأى

Comments